مدونة أصـــوات

السبت، 23 يونيو 2012

أحمَــر أحمَــر...

إلى عاشقٍ حيّ:
لا تَكُن ثائراً، بَلْ مُناضِلاً; حَتَّى لا تَخسرني، أنّا القضيَّة.!!
***
قال:
بلَغني أيَّتُها الملكةُ السعيدة ( شهريارة) أنّهُ كان في زمن السلطان الطاغية، في مدينةِ الوطنِ العربيِّ، امرأة يُقالُ لها السندبادة. وكانت امرأةً داجنة وفقيرة. وضعت قلبها الأحمر داخل حقيبةٍ، ثمَّ حَمَلت جواز سفرها، تجوبُ المطارات هرباً مِن مَوْتٍ فضفاض ينسِجُ مِن عشّاقها أثواباً رماديةً لا كتفَ لها !، ومِن أطفالِها اليتامى وسائدَ أرقٍ خاليةَ الحليبِ والشيكولاتة. ودّعت آخر عُشَّاقها قبلَ نزيفهِ القادم المُؤكّد، سجّلت رقم ( موبايله) وبريده الألكتروني المُخترَق، وطلبَت صداقتَهُ على الفيسبوك: أنا سندبادة، أضِفني إلى قائمةِ أصدقائِكَ ( قالت)،
ثمَّ مضت وهي تلوّحُ لهُ بالكفن. 
وأدركَ شهرزادَ الصباحُ فسكتَ عن الكلامِ المُباحْ.
****
قال:
بلغني أيَّتُها الملكةُ السعيدة ( شهريارة) أنّ سندبادة حادثَت عاشقَها الأخير الحيّ 
.
.
- ألووو 
- ... 
- شمَمتُ رائحةَ الحياةِ فيك فاتصلت. لا تؤجِّل موتَكَ; ميزانيّة مشرّدة مثلي لا تحتملُ عاشقاً حيّاً، انزفْ كي أكتبَك، وليكن موتُكَ بشعاً كما ينبغي، كَما يليقُ بقصيدةٍ ; كَما يليقُ بي. 
- ....
- ها أنا بخير،أحملُ احتضارَكم وأصوات الرصاص وأمضي. يبتعدُ المسافرون عنّي ، يغلقون أنوفهم، يفتّشني موظفو الأمن بارتياب، قال أحدهم: رائحة بارودٍ فيكِ ، أجبتهُ : جثّة ٌأنا، وطني ثلاجة موتى. 
- ...
- نعم، أعيشُ صدمةً حضاريةً حياتية، تصوّر!، شاهدتُ كائنات ورديّة صغيرة تنامُ بعمقٍ ولا تموت، وأمهات يتقن َّ قراءة حكايات قبل النوم ، شدّتني رسومات طفلة في مقعدٍ مجاور في صالة مطار، تؤرجحُ ساقيها القصيرتين ، رسمَتْ بيتاً جميلاً بحديقةٍ صغيرة ، استخدمت الألوان: الأخضر، الأصفر ، الأزرق، البنيّ، الأحمر .. ، قلتُ لها برقّة تناسبُ ملائكيتها : الأحمر لون الدمّ، أينَ الجثّة ؟. صرخت الطفلة وهرعت باكية نحو امرأةٍ جميلة تقفُ قريبة منّا و لا تضع ( الكونسيلر) تحت عينيها، كانت الطفلة تبكي وتشيرُ إليَ. بدوتُ كجريمةٍ بينما المرأة تعاتبني: هل تتحدثون مع أطفالكم بهذه الطريقة؟ اعتذرتُ: لا أطفال في بلادنا. بَدت غير مقتنعة بشهادتي تلك فسألتْ: ألم تكوني طفلة ذات يوم؟ . أجبتُ : لا، أبي شهيد وأمّي أرملة، كلّنا كذلك، الطفولة ترفٌ لا تستطيع عروبتنا تسديدَ ثمنه. 
- ....
- نعم، إلى فراق.
وأدركَ شهرزادَ الصباحُ فسكتَ عن الكلامِ المُباحْ.
****
قال:
بلغني أيتها الملكة السعيدة ( شهريارة) أنَّ (سندبادة) كَتبَت رسالةً إلى عاشقِها الأخير الحيّ بعدَ أن دخلت حسابها في ( الفيسبوك) :
.
.
كَيفَ حال الموتِ اليوم؟ كَيفَ حال الحبِّ اليوم؟.
لَنْ أسألكَ عَن حالِ الوَطن ..اليوم!; قابلتهُ منذُ ساعاتٍ في المطار، قالَ لي: أصابتني لَوثةٌ وطنيّة، وضعتُ نفسي داخلَ حقيبةٍ وَرحلت.
يا أحمَق: حتّامَ تبقى والوطن يُغادر؟!.
قالَ لي الوَطن :
( لَمْ أكُن حاضِراً في اجتماعاتهم، ولا في كرنفالاتهم الوطنيّة، كمّموا فمي وسرقوا صوتي!.)
قرأتُ الأخبار في صفحتك، ولا جديد كالعادة; القَتلة المندسّونَ والشعوبُ الخائنةُ، وال (كوكولا) الطازجةُ والماءُ المعلّب، واللصوصُ الصغارُ يحاكمهم اللصوصُ الكبارُ في جلساتٍ استعراضيّةٍ نطلبُ الموت الزؤام لهم فيها، ثمّ نخرجُ بانتشاءٍ كي نمارسَ موتَنا اليوميّ. 
تَعبتُ مِنَ المَوتِ، تَعبتُ مِنَ الحياةِ، تَعِبتُ مِن الوطنيّةِ واللاوطنيّةِ، وتعبتُ مِن عشّاقٍ يرسلون جثثهم الحمراءَ لحبيباتِهم يومَ عيدِ الحبّ، عَلى سبيلِ الهديّة. 
عُروبتنا المدجّجةُ بقصصِ الحبِّ، تقتلُ العشّاقَ أو تنفيهم. ما أكثرهم هنا، من السهلِ أن تتعرّف عليهم.
أمس كان العيدُ الوطنيُّ في هذهِ الدولة، رقصَ الجميعُ وغنّى ، وجوهنا العربية وحدها كانت كالحةً، كنّا غرباء وثكالى. مع ازديادِ الموسيقى، بدأتُ البكاء بينما تلثّمَ الرجالُ. امرأةٌ منّا قامتْ بشدِّ شعرها وتمزيق ملابسها ثمَّ مرّغت جسدها بالتراب. سألني رجل يقفُ إلى جواري ويصفّق: هَل هي مجنونة؟ ، أجبتهُ: لا، هي عربيّة فقط ، هكذا نمارسُ أعيادَنا. نزورُ المقابر بِ (كعكنا) الأصفر، ووجوهنا الصفراء، وفرحنا الأصفر . فرحنا مُصابٌ بِفقر البَهجةِ ، قلوبُنا مُصابةٌ بِ (لوكيميا) الحبّ. 
وأدركَ شهرزادَ الصباحُ فسكتَ عن الكلامِ المُباحْ.
****
قال:
بلغني أيتها الملكة السعيدة ( شهريارة) أنّ (سندبادة) حادثت عاشقَها الأخيرَ الحيّ
.
.
- ألووو 
-...
- أعتذرُ، لن أهاتفكَ مرّة أخرى قبل أن تموتَ!، خسرتُكَ أمس في لعبة (روليت ). احزر ماذا؟ ، الوَطَنُ خسرنَا أيضاً في لعبةِ (روليت)!. 
-...
-اخترتُ (الروليت) الأمريكية; الأمريكي رغم صُعوبتهِ ملكَ اللعبة; "الهامبورجر" أمريكي، "الجينز " أمريكي، السياسة " أمريكية"، النصر " أمريكي" . 
الأرقام 0، 00، حتّى 36 وكُرة فولاذيّة و مقولة إنشتاين:( لا يمكنك الفوز على طاولةِ الروليت إلا إذا كنتَ تسرق المال منها). يا إلهي!، نحنُ لا نسرِقُ، نُسرَقُ فقط; القضيّة قضيّة مبدأ!. 
ولأنّني لا أملكُ شيئاً، راهنتُ عَليكَ . ثمّ قُلت : أحمر أحمر..; فأنا مِن وطنٍ لا يَعرفُ إلا اللون الأحمَر، لا يَنزِفُ إلا اللون الأحمَر. أدار ال (كروبير) عجلةَ (الروليت) : أحمر أسود ، أحمر أسود ، .. فخسرتك. الوطن راهَن عَلينا أيضاً : أحمر أسود، أحمر أسود ، .. فخسِرَنا. الروليتُ الأمريكيةُ وحدها ربحتْ.
-...
- سأتوقف عَن هذا بالطبع; لعب ( الروليت) حرامٌ شَرعاً للمرأة. عربيّ يشرب البترولَ وينزفُ أسودَ، عَرَضَ عليّ الزواج، ربحَ لأنَّهُ اختار الرهان الأسود. ربحني أيضاً ، بعد أن طلَّقَ زوجتهُ الرابعة; فالشرعُ لا يبيح لهُ أن يتزوجَ فوقَ أربع!.
-...
- نَعَم، مُتْ ; فأنتَ مِنَ الطُلقاء .

وأدركَ شهرزادَ الصباحُ فسكتَ عن الكلامِ المُباحْ.

*هامش :
- الروليت : هي لعبة قمار تمارس في الكازينو سميت باسم لعبة فرنسية تسمى العجلة الصغيرة. في هذه اللعبة، يختار اللاعبون أن يضعوا قمارهم اما على رقم، نطاق يشمل عدة ارقام متتالية، أو اما وضع الرهان على واحد من اللونين الاسود أو الاحمر، أو فردي وزوجي. ولتحديد الرقم واللون الفائز يقوم موظف الكازينو (الكروبر) بلف العجلة في اتجاه ولف الكرة في الاتجاه الآخر في مجال مائل حول نطاق العجلة. تفقد الكرة سرعتها بالتدريج وتقع على واحد من 37 رقعة (بقلم في التصميم الأوروبي) أو 38 (في النظام الأمريكي) ملونة ومرقمة على طرف العجلة./ ويكيبيديا .
****************
 بقلم لانا راتب المجالي  
مشاركة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق