مدونة أصـــوات

الاثنين، 25 يونيو 2012

مارسوا السياسة بعيدا عن أجساد النساء


لقد  كان  جسد المرأة  دائما حلبة للصراع الإيديولوجي  من حيث رغبة كل طرف  في تغليفه برموزه الإيديولوجية ،سواء كانت هذه الرموز خمارا  أو سروال جينز أمريكي أو فستانا يظهر نصف الصدر ، كما كان مسرحا للفعل المؤدلج أيضا فيقوم البعض بختانه  أو ترميم بكارته ويقوم البعض الاخر بشفط ذهونه  أو نفخ صدره  أو تجويعه لينسجم مع مقاييس الجمال كما صنعتها وسائل الإعلام  و أغلفة المجلات التجارية الليبرالية، وحتى لحشد الدعم لقضية سياسية ما وُضعت أجساد النساء قرابين على صفحات بعض المواقع الإلكترونية لتخدير وعي المتلقي ومخاطبة غرائزه  و إثارة انتباهه  قبل الخوض في مواضيع ومواقف سياسية بحتة . 
وفي النزاعات المسلحة كان  اغتصاب النساء رصاصة إضافية لإحباط الاخر وتحسيسه بالإهانة  من حيث كون محيط المرأة ومجتمعها يشعر بأنه معن ٍ أكثر من المرأة نفسها بهذا الجسد ،هذا الشعور باستباحة "ملكيته " هو ما يزعجه أكثر وليس الاغتصاب كفعل مؤذ للمرأة ،بدليل تطبيعه مع  الاغتصاب الزوجي و تزويج المرأة بمغتصبها....
و لا ينتج الإعلام كما المجتمع  ردود أفعال تجاه جرائم الاغتصاب تعبر عن احترامه لجسد المرأة، بل يجد في هذه الجرائم  مادة خام لصناعة الرأي  العام وتوجيهه  سياسيا، لتقود وسائل الإعلام  حملة اتجار سياسي بجرائم اغتصاب الجسد الأنثوي منقطعة النظير وتحويله  من اعتداء سافر على حرمة الجسد  إلى دبكة إعلامية تحريضية دعائية ،جاعلة من أذى كبير لحق المرأة  مجرد وسيلة استفزاز. ومستغلة  الربط الشرقي الأزلي بين جسد المرأة والعار ، لتلعب على هذا الوتر الحساس لاستثارة المشاعر وتأليب الناس ضد هذا أو ذاك.
فكانت أن بدأت بعض المواقع الإلكترونية والتي في عمقها  مناهضة لحقوق الإنسان بمفهومها الكوني  تتاجر سياسيا بقضايا اغتصاب (في حين تعتبرالاغتصاب الزوجي  حقا شرعيا للزوج ...) . و تمتلئ صفحاتها  المتخمة في العمق بإيديولوجية معادية للمرأة بعناوين منافقة من قبيل "اغتصاب امرأة من طرف ضابط  ..وانتقام حماة الشريعة لها.." لتسويغ ممارسة عنف ما أو عبارة " اغتصاب النساء المؤمنات من طرف الجيش كذا"،مما قد يعني ضمنيا أن غير المؤمنات  قد يجوز بهن فعل الاغتصاب ، مما يلخص الأمر في مجرد محاولة رخيصة  لاستذرار التعاطف بناء على الحمية الذكورية والدينية أكثر من النزعة الإنسانية، إذ الهدف هو الاستدراج للاصطفاف مع موقف سياسي ما ،و لا يهمها أساسا ما يلحق جسد المرأة من عنف  .
كما سقطت قنوات إعلامية في مصائد تم الاتجار فيها بقضايا اغتصاب قد تكون وهمية  ،ولا أحد نسي طبعا قصة    " اغتصاب " المحامية الليبية التي جاءت لتعلن "اغتصابها "بعد أقل من ساعات  من الحدث المفترض  في حين أن المرأة التي تكون ضحية اغتصاب فردي،علميا ، تضطرب و تجد صعوبة في الحديث عن الأمر قبل مرور أيام عدة،  فما بالك لو تعرضت لاغتصاب جماعي  وهذا الحدث الذي أحيط بضجة إعلامية ضخمة تم توظيفه السياسي أيما توظيف لحشد الدعم لل"الثوار" الذين يغتصبون بالجملة النساء الليبيات الان...
 ليس هذا هو مربط الفرس هنا  بل هو مسألة الاتجار في  أفعال مشينة وسافرة في حق النساء والتي يتم توظيفها في معارك  تهدف للإساءة للنساء أنفسهن ،والدليل على ذلك أن بعض قضايا الاغتصاب الصادمة يتم التغاضي عليها إعلاميا ،ولا  تتم إثارة ضجة حولها مما يؤكد أن صناع الحروب والعنف والنزاعات المسلحة لا يعنيهم جسد المرأة في شئ ،و إلا ما سبب الصمت المطبق إزاء أربعمائة حالة اغتصاب في مخيمات اللاجئات السوريات بتركيا والتي نجم عنها مئتان وخمسين حالة  حمل  ، وهل ستتم مساءلة ومعاقبة نظام أردوغان على هذه المجزرة  الجنسية السافرة الخارقة لكل المواثيق الدولية المتعلقة  بحقوق اللاجئين وحمايتهم؟ 
ثم ألا يثير الغضب والسخرية في ان واحد استغلال الاغتصاب سياسيا للوصول إلى الحكم والسكوت (بعد الوصول للحكم )عن الدعوة لختان النساء وعن الهجوم بالضرب المبرح عليهن في الشاطئ، و عن ضرب الطالبات غير المنقبات في الجامعات ،وتهديد المفكرات والكاتبات ،و عن الاعتداء على النساء  المتظاهرات ،بل وتبرير الاغتصاب أحيانا وتحميل المرأة وزره ؟
وفي نفس سياق الاستغلال السياسي لجسد المرأة لا تخلو سجلات المخابرات أيضا من جعل جسد المرأة مصيدة وفخا لاستدراج أحد الرجال المزعجين  للسلطة   وتوريطه وابتزازه ،وتارة يستغل جسد نساء ضدهن وضد مواقفهن .
كما يلجأ البعض إلى استغلال جسد الإناث  لإسقاط المصداقية على خصومه السياسيين ، إذ يتم مثلا نشر صورة زوجة أحدهم  أو  أخته  بلباس "غير محتشم" ، بمنطق  يوحي أنه كذكر لم يقم بمهمته على أكمل وجه ب "ترتيب" و "تخليق" و "تلجيم" ذاك الجسد الأنثوي المشاكس الذي يراه البعض  بشكل لاواع   ملكية خاصة للرجل وواجهته الذي تتحدد فيها مكامن قوته في حلبة السياسة  .
مظاهر عدة تكشف أن المجتمع لا يزال يرى المرأة بعيون المتربص الغازي تارة وبعيون الحامي المزيف  تارة أخرى وواجهة إعلامية وسياسية تارات أخرى في استمرار في تشييئ النساء ، بل والدخول في مرحلة جديدة مبنية على تسييس أجسادهن مما يجعلنا نقول: رجاء كفى نفاقا ،و مارسوا السياسة بعيدا عن أجساد النساء..
 ***********
السعدية الفضيلي 

مشاركة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق