مدونة أصـــوات

الثلاثاء، 26 يونيو 2012

أيها الرجل .. سأتهمك باغتيالي

عندما أُختــَزَل لدى البعض الى مجرد جسد مطلوب اخفاؤه، الا يناقض هذا طبيعة العلاقة بين رجل وإمرأة عصريان يعملان سويا لتقدم البشر..!! انه موقف مرفوض منك قبل ان يكون مرفوضا مني، فانت اليوم في حاجة الى ما هو أكثر من كائن ) مانيكان( له مقاسات القوام الذى تفضله او لون العينين اللتين جذبتاك وكثافة الشعرالتي تحب .
سيدى ..الانسان حيوان عاقل (رجلا أو امرأة ) قول تردده دائما وطالما تداولناه فيما بيننا للتدليل على ما يفرق الانسان عن الحيوان، العقل سيدى نمتلكه كلانا، إن لى عقلا أيضا، وبداخل جمجمتي مخ له قدرات وإمكانيات لا تستطيع إدراك مقدارها لتحكم أنت علي- هكذا - وكأنك الأكثر تفوقا وذكاءً، كائنا أعلى يصدر أحكاما ويتخذ قرارات تخص الطريقة التى أعيش بها والاسلوب الذى أرتدى به ملابسى، ثم تطلق علي أبشع الصفات اذا عارضتك، وتؤجر قوات تردعنى وتضربنى فى الشارع وتجبرنى أن اسلك طبقا لارادتك مدعيا أنها إرادة ومشيئة الرب وانك مندوبا عنه ... سيدى هذا مرفوض.
سأرفع دعوى فى المحاكم ضدك أتهمك بمحاولة قتلى كأنسان حر وتحويلي الي آلة تحقيق رغبات .. وأنك لا تكف عن المحاولة مرارا و تكرارا، وأني أصبحت بسببك أعيش على حافة خطر دائم ... نعم أنت مشروع قاتل يرتدى مسوح الوعاظ .
سيدى لقد جاءت رؤيتك الجائرة بناء على فرضية خاطئة من الأساس، فلقد افترضت أنى ناقصة العقل والدين.. ثم صدقت هذا وعممته وبدأت فى إصدار الأحكام ..تأمر..وتوزع الفتاوي و تحرض وتزعق في الشارع والجامع والعمل وفي جلساتك الخاصة، دون ان تفكر للحظة ان ما افترضت قد (يحتمل أن) يكون جانبه الصواب ... سيدى انت علي خطأ ..أسبابي لذلك ستجدها في عريضة دعواى ضدك :ـ
أول خطأ وقعت فيه هو التعميم، وهو خطأ شائع عند ملاك الحقيقة المطلقة و كثيرا (في الغالب) ما يؤدى الي نتائج تخل بكل أساسيات الفرضية، فحين تقرر أن النساء ناقصات عقلا ودينا فأنك ساويت بهذا بين كل النساء، (كريستين لاجارد رئيسة صندوق النقد الدولى وباتعة بائعة الفجل)، المتعلمة والأمية ، الكبيرة والصغيرة ، الشرقية والغربية، وكأن كل هذه العقول فى نظرك (البدائي التفكير) تتساوى ويحكم عليها بأنها ناقصة عقل ودين بدون دراسات إحصائية أو تصنيفات وأبحاث، متجاهلا حقيقة هامة فارقة وهى اختلاف إمكانيات وقدرات ومهارات كل منهن، كالخبرات التي اكتسبنها وقدراتهن العلمية والذهنية، ومدى استيعابهن وتحصيلهن، ظروف النشأة ، فرق الأجيال لكل منهن .. سيدى ان لم تكن قد قمت بهذا فانه من غير المناسب أو اللائق أن تحكم عليهن جميعا بنفس الحكم المتعجل . 
الذى يدعو الي التساؤل كيف واتتك الجرأة على إعلانك مثل هذا، ألا ترى عيناك الفرق ( أفلا تعقلون ) ؟! لو طرحت على النساء (معارفك فقط ) بمختلف أعمارهن ومؤهلاتهن موضوعا للنقاش، فهل تتوقع أن تحصل على نتائج متشابهة من الابنة و الجدة، من السيدة و الجارية، من أولى الثانوية العامة او الحاصلة علي الدكتوراة .. والسيدة الفاضلة ربة الصون و العفاف الدرة المصونة و الجوهرة المكنونة زوجة حضرتك التي سلمت بتفوقك فقبعت في البيت تتخلف لدرجة ان تسعي بنفسها لتورد لك الزوجات اللائي سيشاركنها فيك وتختار جيش جوارى ( ما ملكت ايمانك).. فلن تجد حتى ردودا متقاربة ؟ لا تخدع نفسك هناك بالتأكيد فارق حتي في وسط متخلف يؤمن بدونية المرأة مثل بلادنا .
ثاني خطأ وقعت فيه هو المقارنة الخارج حدود القياس فحين تقرر أن النساء ناقصات عقلا ودينا فلأى مسطرة تعود!! هل هو عقل الرجل .. ام عقول الملائكة، ام نموذج مفتقد محفوظ في اللوح المستور، أن كل شئ نسبى وليس هكذا تتم المقارنة، فاذا ما كنت تقارن بين عقل المراة والرجل؟ فهل مرجعيتك فى القياس هو ذكاء الرجل وعقله ؟!! يا عيني علي الذكاء اللي بينط من عين عم محروس البواب .. او الشيخ الداعية راكب المرسيدس، أوصاحب الغزوات .. يا راجل اختشي ده انتم فيكم فضائح ذكائية تتخبط فيها طول م انت ماشي .. سآخذهم كشهود في القضية، لاثبات ان الرجل ليس كامل العقل أو أن المرأة أقل منه ذكاء، او ان حثالة البلوريتاريا المتلطعة في الشوارع هذه أفضل من أى إمرأة حتي لو كانت من مستواهم ؟
ساكرر .. لو كـُلِفنا مثلا باعداد تقرير عن الحالة الاقتصادية لدول حوض المتوسط ، من سيقدم التقرير!! السيدة المتخصصة التي اعدت الكثير مثله أم مرؤوسها الذى لازال يتعلم و يسألها مع كل سطر يكتبه لمجرد انه الرجل الذى يمتلك عقلا غير منقوص!! واى مستوى من التقارير سينتجه هذا التمييز؟ دعنى أؤكد لك أن قياسك للأمور غير عادل والمقارنة بين كل النساء مقابل الرجل غير موفقة وان سبب عجزنا هو ان قياساتنا بعيدة عن الدقة و مقايس الكفاءة.
ثالث الأشياء اللافتة للنظر هو ان قياس قدرات العقل اصبح الان ممكنا و لدرجة دقيقه أما قياس تكامل الاداء الديني والعبادات فهو أمر لا يعرفة الا المطلع علي القلوب ولن يسمح لبشرى بمعرفته، لذلك فلن أجادل في نقصه عند النساء او زيادته عند الرجال.. أما قياس كفاءة عمل العقل فهو أمر يتطلب تعلم علوم الكفرة، من علم نفس وسلوك وتشريح ووظائف أعضاء، لكي تستطيع ان تحدد من هو الاعلي ومن هو اليوم من السافلين .. سيدى انت بدراساتك و قدراتك غير مؤهل لان تفتي في ميكانيزمات حركة العقل ..ولا تكامل الطاقة الدينية، فبأى قياسات تفتى!! ما تم التعارف عليه فى القرن السابع الميلادى، أم بما توصل اليه البشر في العقد الثانى من القرن الحادى والعشرين والتى تختلف جذريا ؟
هذه الدفوع و البينات التي عرضتها سوف يتضمنها ملف قضية أنوى التقدم بدعواها لتنظرها المحكمة الدولية التي حاكمت أعداء الانسانية الفاشيست من قبل، وذلك بهدف وقف التشهير بالمرأة و ازدرائها في بلاد المسلمين بوصفها انها ناقصة العقل .. وكاتبة المقال و اثقة تمام الثقة أن المحكمة ستصدر حكما مشابها لذلك الذى أصدرته نفس المحكمة بعد الحرب العالمية الثانية بتجريم ازدراء السامية، تجريم ازدراء المرأة ـ ممكن ـ اذا ما استجاب الشرفاء الناشطون والمهتمون برفع الغبن الواقع علي المرأة والذين علي اتفاق مع مضمون الدعوى لمناشدة الكاتبة - من هذا المنبر ـ بتنظيم مجموعات عمل من خلال مؤسسات المجتمع المدني تهدف الي الحصول علي توقيع مليون داعم من بلاد المسلمين يعلنون رغبتهم في مقاضاة كل من يقوم ـ تحت اى مسمي ـ بوصم جموع النساء بنقص العقل، واعتبار الفاعل عدوا للانسانية ومهددا لاستمرارها مع توصيفه بانه يزاول إرهابا وابتزازا يحط من شأن و كيان المرأة ومستقبلها، ويعادى تواجدها السلمي الايجابي في مجتمع نصفه من النساء و النصف الآخر انجبته النساء ورعته وفشلت في تربيته بحيث اصبح ـ للاسف ـ الرجل الذى يضطهدها.
خارج إطار القضية .. هناك من يتمسك بكون ( الرجال قوامون علي النساء )، كذلك هناك من تتمسك بالنصف الاخر من الآية أى ( بما انفقوا ) فمن الاذكي !! هؤلاء الذين يريدون في القرن الحادى و العشرين مزاولة صلاحيات مشكوك في جدواها .. ام من تريد باسم الدين وضع اللجام و النير في عنق الرجل و تسوقه لادارة السواقي التي تخرج لها ولأبنائها الاموال . 
كلا الطرفين يستحق الشفقة لهذا أطرح عليهم هدنة من الصراع المستمر في كل بيت، أهم شروط الهدنة..ان نتشارك في القوامة و نتشارك في الإنفاق، كل منا يصبح قواما علي اسرته ومجتمعه وعلي صيانة علاقات صحية بين أفراده، وكل منا يعمل ويكسب و ينفق من عرق جبينه علي الاسرة ويشارك في رفع مستوى وحجم الناتج القومي، هذه الهدنة اذا اصبحت محل اتفاق من النساء و الرجال نحولها الي معاهدة دائمة تسجل كبند لا رجوع عنه في الدستور ويُجَرَم من يخالفه، عندها سوف اوقف اجراءات الدعوى ضد ضعاف العقول من رجالنا ( المصرين علي ترويع و إذلال المرأه لأسباب مثيولوجية ) علي أمل أن يقوم الزمن ( من خلال علاقات انسانية صحيحة ) بتهذيبهم و تهذيب لحاهم و مظهرهم وخطابهم .  
********
فاتن واصل 
اقرأ المزيد...

الاثنين، 25 يونيو 2012

مارسوا السياسة بعيدا عن أجساد النساء


لقد  كان  جسد المرأة  دائما حلبة للصراع الإيديولوجي  من حيث رغبة كل طرف  في تغليفه برموزه الإيديولوجية ،سواء كانت هذه الرموز خمارا  أو سروال جينز أمريكي أو فستانا يظهر نصف الصدر ، كما كان مسرحا للفعل المؤدلج أيضا فيقوم البعض بختانه  أو ترميم بكارته ويقوم البعض الاخر بشفط ذهونه  أو نفخ صدره  أو تجويعه لينسجم مع مقاييس الجمال كما صنعتها وسائل الإعلام  و أغلفة المجلات التجارية الليبرالية، وحتى لحشد الدعم لقضية سياسية ما وُضعت أجساد النساء قرابين على صفحات بعض المواقع الإلكترونية لتخدير وعي المتلقي ومخاطبة غرائزه  و إثارة انتباهه  قبل الخوض في مواضيع ومواقف سياسية بحتة . 
وفي النزاعات المسلحة كان  اغتصاب النساء رصاصة إضافية لإحباط الاخر وتحسيسه بالإهانة  من حيث كون محيط المرأة ومجتمعها يشعر بأنه معن ٍ أكثر من المرأة نفسها بهذا الجسد ،هذا الشعور باستباحة "ملكيته " هو ما يزعجه أكثر وليس الاغتصاب كفعل مؤذ للمرأة ،بدليل تطبيعه مع  الاغتصاب الزوجي و تزويج المرأة بمغتصبها....
و لا ينتج الإعلام كما المجتمع  ردود أفعال تجاه جرائم الاغتصاب تعبر عن احترامه لجسد المرأة، بل يجد في هذه الجرائم  مادة خام لصناعة الرأي  العام وتوجيهه  سياسيا، لتقود وسائل الإعلام  حملة اتجار سياسي بجرائم اغتصاب الجسد الأنثوي منقطعة النظير وتحويله  من اعتداء سافر على حرمة الجسد  إلى دبكة إعلامية تحريضية دعائية ،جاعلة من أذى كبير لحق المرأة  مجرد وسيلة استفزاز. ومستغلة  الربط الشرقي الأزلي بين جسد المرأة والعار ، لتلعب على هذا الوتر الحساس لاستثارة المشاعر وتأليب الناس ضد هذا أو ذاك.
فكانت أن بدأت بعض المواقع الإلكترونية والتي في عمقها  مناهضة لحقوق الإنسان بمفهومها الكوني  تتاجر سياسيا بقضايا اغتصاب (في حين تعتبرالاغتصاب الزوجي  حقا شرعيا للزوج ...) . و تمتلئ صفحاتها  المتخمة في العمق بإيديولوجية معادية للمرأة بعناوين منافقة من قبيل "اغتصاب امرأة من طرف ضابط  ..وانتقام حماة الشريعة لها.." لتسويغ ممارسة عنف ما أو عبارة " اغتصاب النساء المؤمنات من طرف الجيش كذا"،مما قد يعني ضمنيا أن غير المؤمنات  قد يجوز بهن فعل الاغتصاب ، مما يلخص الأمر في مجرد محاولة رخيصة  لاستذرار التعاطف بناء على الحمية الذكورية والدينية أكثر من النزعة الإنسانية، إذ الهدف هو الاستدراج للاصطفاف مع موقف سياسي ما ،و لا يهمها أساسا ما يلحق جسد المرأة من عنف  .
كما سقطت قنوات إعلامية في مصائد تم الاتجار فيها بقضايا اغتصاب قد تكون وهمية  ،ولا أحد نسي طبعا قصة    " اغتصاب " المحامية الليبية التي جاءت لتعلن "اغتصابها "بعد أقل من ساعات  من الحدث المفترض  في حين أن المرأة التي تكون ضحية اغتصاب فردي،علميا ، تضطرب و تجد صعوبة في الحديث عن الأمر قبل مرور أيام عدة،  فما بالك لو تعرضت لاغتصاب جماعي  وهذا الحدث الذي أحيط بضجة إعلامية ضخمة تم توظيفه السياسي أيما توظيف لحشد الدعم لل"الثوار" الذين يغتصبون بالجملة النساء الليبيات الان...
 ليس هذا هو مربط الفرس هنا  بل هو مسألة الاتجار في  أفعال مشينة وسافرة في حق النساء والتي يتم توظيفها في معارك  تهدف للإساءة للنساء أنفسهن ،والدليل على ذلك أن بعض قضايا الاغتصاب الصادمة يتم التغاضي عليها إعلاميا ،ولا  تتم إثارة ضجة حولها مما يؤكد أن صناع الحروب والعنف والنزاعات المسلحة لا يعنيهم جسد المرأة في شئ ،و إلا ما سبب الصمت المطبق إزاء أربعمائة حالة اغتصاب في مخيمات اللاجئات السوريات بتركيا والتي نجم عنها مئتان وخمسين حالة  حمل  ، وهل ستتم مساءلة ومعاقبة نظام أردوغان على هذه المجزرة  الجنسية السافرة الخارقة لكل المواثيق الدولية المتعلقة  بحقوق اللاجئين وحمايتهم؟ 
ثم ألا يثير الغضب والسخرية في ان واحد استغلال الاغتصاب سياسيا للوصول إلى الحكم والسكوت (بعد الوصول للحكم )عن الدعوة لختان النساء وعن الهجوم بالضرب المبرح عليهن في الشاطئ، و عن ضرب الطالبات غير المنقبات في الجامعات ،وتهديد المفكرات والكاتبات ،و عن الاعتداء على النساء  المتظاهرات ،بل وتبرير الاغتصاب أحيانا وتحميل المرأة وزره ؟
وفي نفس سياق الاستغلال السياسي لجسد المرأة لا تخلو سجلات المخابرات أيضا من جعل جسد المرأة مصيدة وفخا لاستدراج أحد الرجال المزعجين  للسلطة   وتوريطه وابتزازه ،وتارة يستغل جسد نساء ضدهن وضد مواقفهن .
كما يلجأ البعض إلى استغلال جسد الإناث  لإسقاط المصداقية على خصومه السياسيين ، إذ يتم مثلا نشر صورة زوجة أحدهم  أو  أخته  بلباس "غير محتشم" ، بمنطق  يوحي أنه كذكر لم يقم بمهمته على أكمل وجه ب "ترتيب" و "تخليق" و "تلجيم" ذاك الجسد الأنثوي المشاكس الذي يراه البعض  بشكل لاواع   ملكية خاصة للرجل وواجهته الذي تتحدد فيها مكامن قوته في حلبة السياسة  .
مظاهر عدة تكشف أن المجتمع لا يزال يرى المرأة بعيون المتربص الغازي تارة وبعيون الحامي المزيف  تارة أخرى وواجهة إعلامية وسياسية تارات أخرى في استمرار في تشييئ النساء ، بل والدخول في مرحلة جديدة مبنية على تسييس أجسادهن مما يجعلنا نقول: رجاء كفى نفاقا ،و مارسوا السياسة بعيدا عن أجساد النساء..
 ***********
السعدية الفضيلي 

اقرأ المزيد...

السبت، 23 يونيو 2012

أحمَــر أحمَــر...

إلى عاشقٍ حيّ:
لا تَكُن ثائراً، بَلْ مُناضِلاً; حَتَّى لا تَخسرني، أنّا القضيَّة.!!
***
قال:
بلَغني أيَّتُها الملكةُ السعيدة ( شهريارة) أنّهُ كان في زمن السلطان الطاغية، في مدينةِ الوطنِ العربيِّ، امرأة يُقالُ لها السندبادة. وكانت امرأةً داجنة وفقيرة. وضعت قلبها الأحمر داخل حقيبةٍ، ثمَّ حَمَلت جواز سفرها، تجوبُ المطارات هرباً مِن مَوْتٍ فضفاض ينسِجُ مِن عشّاقها أثواباً رماديةً لا كتفَ لها !، ومِن أطفالِها اليتامى وسائدَ أرقٍ خاليةَ الحليبِ والشيكولاتة. ودّعت آخر عُشَّاقها قبلَ نزيفهِ القادم المُؤكّد، سجّلت رقم ( موبايله) وبريده الألكتروني المُخترَق، وطلبَت صداقتَهُ على الفيسبوك: أنا سندبادة، أضِفني إلى قائمةِ أصدقائِكَ ( قالت)،
ثمَّ مضت وهي تلوّحُ لهُ بالكفن. 
وأدركَ شهرزادَ الصباحُ فسكتَ عن الكلامِ المُباحْ.
****
قال:
بلغني أيَّتُها الملكةُ السعيدة ( شهريارة) أنّ سندبادة حادثَت عاشقَها الأخير الحيّ 
.
.
- ألووو 
- ... 
- شمَمتُ رائحةَ الحياةِ فيك فاتصلت. لا تؤجِّل موتَكَ; ميزانيّة مشرّدة مثلي لا تحتملُ عاشقاً حيّاً، انزفْ كي أكتبَك، وليكن موتُكَ بشعاً كما ينبغي، كَما يليقُ بقصيدةٍ ; كَما يليقُ بي. 
- ....
- ها أنا بخير،أحملُ احتضارَكم وأصوات الرصاص وأمضي. يبتعدُ المسافرون عنّي ، يغلقون أنوفهم، يفتّشني موظفو الأمن بارتياب، قال أحدهم: رائحة بارودٍ فيكِ ، أجبتهُ : جثّة ٌأنا، وطني ثلاجة موتى. 
- ...
- نعم، أعيشُ صدمةً حضاريةً حياتية، تصوّر!، شاهدتُ كائنات ورديّة صغيرة تنامُ بعمقٍ ولا تموت، وأمهات يتقن َّ قراءة حكايات قبل النوم ، شدّتني رسومات طفلة في مقعدٍ مجاور في صالة مطار، تؤرجحُ ساقيها القصيرتين ، رسمَتْ بيتاً جميلاً بحديقةٍ صغيرة ، استخدمت الألوان: الأخضر، الأصفر ، الأزرق، البنيّ، الأحمر .. ، قلتُ لها برقّة تناسبُ ملائكيتها : الأحمر لون الدمّ، أينَ الجثّة ؟. صرخت الطفلة وهرعت باكية نحو امرأةٍ جميلة تقفُ قريبة منّا و لا تضع ( الكونسيلر) تحت عينيها، كانت الطفلة تبكي وتشيرُ إليَ. بدوتُ كجريمةٍ بينما المرأة تعاتبني: هل تتحدثون مع أطفالكم بهذه الطريقة؟ اعتذرتُ: لا أطفال في بلادنا. بَدت غير مقتنعة بشهادتي تلك فسألتْ: ألم تكوني طفلة ذات يوم؟ . أجبتُ : لا، أبي شهيد وأمّي أرملة، كلّنا كذلك، الطفولة ترفٌ لا تستطيع عروبتنا تسديدَ ثمنه. 
- ....
- نعم، إلى فراق.
وأدركَ شهرزادَ الصباحُ فسكتَ عن الكلامِ المُباحْ.
****
قال:
بلغني أيتها الملكة السعيدة ( شهريارة) أنَّ (سندبادة) كَتبَت رسالةً إلى عاشقِها الأخير الحيّ بعدَ أن دخلت حسابها في ( الفيسبوك) :
.
.
كَيفَ حال الموتِ اليوم؟ كَيفَ حال الحبِّ اليوم؟.
لَنْ أسألكَ عَن حالِ الوَطن ..اليوم!; قابلتهُ منذُ ساعاتٍ في المطار، قالَ لي: أصابتني لَوثةٌ وطنيّة، وضعتُ نفسي داخلَ حقيبةٍ وَرحلت.
يا أحمَق: حتّامَ تبقى والوطن يُغادر؟!.
قالَ لي الوَطن :
( لَمْ أكُن حاضِراً في اجتماعاتهم، ولا في كرنفالاتهم الوطنيّة، كمّموا فمي وسرقوا صوتي!.)
قرأتُ الأخبار في صفحتك، ولا جديد كالعادة; القَتلة المندسّونَ والشعوبُ الخائنةُ، وال (كوكولا) الطازجةُ والماءُ المعلّب، واللصوصُ الصغارُ يحاكمهم اللصوصُ الكبارُ في جلساتٍ استعراضيّةٍ نطلبُ الموت الزؤام لهم فيها، ثمّ نخرجُ بانتشاءٍ كي نمارسَ موتَنا اليوميّ. 
تَعبتُ مِنَ المَوتِ، تَعبتُ مِنَ الحياةِ، تَعِبتُ مِن الوطنيّةِ واللاوطنيّةِ، وتعبتُ مِن عشّاقٍ يرسلون جثثهم الحمراءَ لحبيباتِهم يومَ عيدِ الحبّ، عَلى سبيلِ الهديّة. 
عُروبتنا المدجّجةُ بقصصِ الحبِّ، تقتلُ العشّاقَ أو تنفيهم. ما أكثرهم هنا، من السهلِ أن تتعرّف عليهم.
أمس كان العيدُ الوطنيُّ في هذهِ الدولة، رقصَ الجميعُ وغنّى ، وجوهنا العربية وحدها كانت كالحةً، كنّا غرباء وثكالى. مع ازديادِ الموسيقى، بدأتُ البكاء بينما تلثّمَ الرجالُ. امرأةٌ منّا قامتْ بشدِّ شعرها وتمزيق ملابسها ثمَّ مرّغت جسدها بالتراب. سألني رجل يقفُ إلى جواري ويصفّق: هَل هي مجنونة؟ ، أجبتهُ: لا، هي عربيّة فقط ، هكذا نمارسُ أعيادَنا. نزورُ المقابر بِ (كعكنا) الأصفر، ووجوهنا الصفراء، وفرحنا الأصفر . فرحنا مُصابٌ بِفقر البَهجةِ ، قلوبُنا مُصابةٌ بِ (لوكيميا) الحبّ. 
وأدركَ شهرزادَ الصباحُ فسكتَ عن الكلامِ المُباحْ.
****
قال:
بلغني أيتها الملكة السعيدة ( شهريارة) أنّ (سندبادة) حادثت عاشقَها الأخيرَ الحيّ
.
.
- ألووو 
-...
- أعتذرُ، لن أهاتفكَ مرّة أخرى قبل أن تموتَ!، خسرتُكَ أمس في لعبة (روليت ). احزر ماذا؟ ، الوَطَنُ خسرنَا أيضاً في لعبةِ (روليت)!. 
-...
-اخترتُ (الروليت) الأمريكية; الأمريكي رغم صُعوبتهِ ملكَ اللعبة; "الهامبورجر" أمريكي، "الجينز " أمريكي، السياسة " أمريكية"، النصر " أمريكي" . 
الأرقام 0، 00، حتّى 36 وكُرة فولاذيّة و مقولة إنشتاين:( لا يمكنك الفوز على طاولةِ الروليت إلا إذا كنتَ تسرق المال منها). يا إلهي!، نحنُ لا نسرِقُ، نُسرَقُ فقط; القضيّة قضيّة مبدأ!. 
ولأنّني لا أملكُ شيئاً، راهنتُ عَليكَ . ثمّ قُلت : أحمر أحمر..; فأنا مِن وطنٍ لا يَعرفُ إلا اللون الأحمَر، لا يَنزِفُ إلا اللون الأحمَر. أدار ال (كروبير) عجلةَ (الروليت) : أحمر أسود ، أحمر أسود ، .. فخسرتك. الوطن راهَن عَلينا أيضاً : أحمر أسود، أحمر أسود ، .. فخسِرَنا. الروليتُ الأمريكيةُ وحدها ربحتْ.
-...
- سأتوقف عَن هذا بالطبع; لعب ( الروليت) حرامٌ شَرعاً للمرأة. عربيّ يشرب البترولَ وينزفُ أسودَ، عَرَضَ عليّ الزواج، ربحَ لأنَّهُ اختار الرهان الأسود. ربحني أيضاً ، بعد أن طلَّقَ زوجتهُ الرابعة; فالشرعُ لا يبيح لهُ أن يتزوجَ فوقَ أربع!.
-...
- نَعَم، مُتْ ; فأنتَ مِنَ الطُلقاء .

وأدركَ شهرزادَ الصباحُ فسكتَ عن الكلامِ المُباحْ.

*هامش :
- الروليت : هي لعبة قمار تمارس في الكازينو سميت باسم لعبة فرنسية تسمى العجلة الصغيرة. في هذه اللعبة، يختار اللاعبون أن يضعوا قمارهم اما على رقم، نطاق يشمل عدة ارقام متتالية، أو اما وضع الرهان على واحد من اللونين الاسود أو الاحمر، أو فردي وزوجي. ولتحديد الرقم واللون الفائز يقوم موظف الكازينو (الكروبر) بلف العجلة في اتجاه ولف الكرة في الاتجاه الآخر في مجال مائل حول نطاق العجلة. تفقد الكرة سرعتها بالتدريج وتقع على واحد من 37 رقعة (بقلم في التصميم الأوروبي) أو 38 (في النظام الأمريكي) ملونة ومرقمة على طرف العجلة./ ويكيبيديا .
****************
 بقلم لانا راتب المجالي  
اقرأ المزيد...

الجمعة، 22 يونيو 2012

نيتشه - لودوسالومي قصة حب مستحيل


فتاة، ترتدي لباسا أسود، تمتطي عربة، تلوح بكرباج وذات مظهر حاد، على الأقل قبالة آلة التصوير، ورجلان يجرانها. الفتاة هي [لودوسالومي ] والرجلان هما [بول ري ] و[نيتشه ]، وباسماء مستعارة هم: [ كات ]، [جول ] و[جيم ]. من من الفيلسوفين سيكون [جيم ] [ كات ]؟ فكلاهما مأخوذ بحب تلك الفاتنة في العشرينات من عمرها والتي لم تكن تحلم إلا بصداقة متحررة.
كان [نيتشه ] يحلم أكثر من [ري ] بأن تكون [ لو] خطيبته الأزلية. لن تتزوج [لو] [ري ]. أما [نيتشه ] الذي كان سيفضل مجرد علاقة حرة معها ذهب أبعد من ذلك، فاقترح على الحسناء زواجا وهو اقتراح قوبل بالرفض من طرفها. بعد ذلك، سيتبادلان رسائل وأشعارا. كانت بنظر [نيتشه ] "أذكى امرأة" صادفها بل و"روحا سامية". تنفلت منه ويعاني جراء ذلك بل ويهدد منافسه بمواجهة. أجل، يجب أن نتخيل هذا الثلاثي [بول ]، [جيم ] و[ كات ]، هذه الأرواح المتقدة، بناة فلسفة لمستقبل هذا العالم وهي فريسة لهذه الأشياء الصغيرة المرتبطة بالحب والتي سببت لهم، كباقي الناس، شجونا كبيرة.
سنة 1894: يقيم [نيتشه ] ببيت جدته بـ [نانمبورغ ] تحت رعاية دقيقة منذ أواسط 1888، يجلس على كرسي وتير ولا ينطق بكلمة وقد يحدث أن يصرخ ويصيح. إنه أضحى، كما نعتاد القول، مجنونا. لم يعد يهذي ولا يرقص ولا يرتجل على آلة البيانو، جامد لا يتحرك، إنه شبيه بجماد. أما [لودوسالومي ] فإنها ستتزوج من [ أندرياس ] وتعرضت لهجوم قوي من عائلة [نيتشه ]وذلك في نفس الفترة التي أصدرت فيها بفيينا كتابا بعنوان: (نيتشه من خلال أعماله)(1). من ثنايا هذا المؤلف ترشح الحداثة الفييناوية التي قام [جاك لوريدو] بتحليل متألق لها وتطل من جهتين:
-جهة خاصة بنيتشه كما يروي عنه شاهد فريد من نوعه (لو)
-جهة خاصة بـ[ لو] نفسها ذات الأنوثة الأقوى ومنبع فوق-بشري منطلق وحالم، والمنظرة المستقبلية لنظرية النرجسية.
كتب عن نيتشه، لكن ليس هذا ما يعوزنا فلنا حتى الآن [سقراط البطل ] لـ [ميشيل كيران ] و"نيتشه والفلسفة" لـ [جيل دولوز ] و"نيتشه" لـ [ كلوسوفسكي ] وكلها كتب في الفلسفة عن (نيتشه) الفيلسوف، في حين أن كتاب [ لو] عن (نيتشه) يختلف. إنه ضرب من "سيرة داخلية" تصف من خلالها صاحبها كما رأته بأم العين بل كما انفعلت هي بحبه لها وكما استشعرت بدواخلها ذلك الحب من جانب واحد من خلال لقاءات نخمن أن إيروسا فكريا كان يقودها بقوة. وكان هذا الكتاب عنه النتيجة الباهرة لكل هذا، فما يحمله بين طياته من معطيات لفهم أعمال نيتشه أشبه بما تكون بدم الروح أو نار الفكر، بل هي الحياة ذاتها المهددة من كل جانب، وكل هذا مصوغا في لغة إنشادية لا تقاوم.
أول ما نجد، عند متم بضع صفحات منه، بورتريه لافتا عن الفيلسوف: هادئ، متوسط القامة، متواضع وأنيق، يمشي الهوينى، كتفاه مائلتان دائما ويتحدث بصوت خفيض، يكاد يمر أمام ناظريك من دون أن يلفت انتباهك كما تقول [لو]. ومن كل صفاته هنالك ثلاث بارزة أكثر من غيرها وهي: ضحكه الوديع، يداه الرائعتان وفم معبر مدفون تحت شارب كث كما أن هناك عينيه كذلك. فقد كان كفيف البصر إلى الحد الذي جعله يقول عن نفسه، إنه "نصف أعمى" إلا أن نظرات عينيه لا تتراقصان أبدا. يختفي عن الأنظار عندما تلم به صفاءات ذهنية خاطفة أو لما يتردى في عزلة مخيفة وتقول عن عينيه : "تبدوان كما لو كانتا بوابا يحرس كنوزا مخيفة بأغواره، تنافحان عن أسرارها مدة، ولن يكون لأي نظرات غير مرغوب فيها القدرة على اختراقها" تعود الجاذبية الآسرة والفريدة التي يمارسها نحو الآخرين إلى نظره هذا وهي جاذبية استعادتها (لو)، بشكل رائع، في كتابه هذا.
هذا الفاتن البرئ الذي طالما تلقى ضربات عاطفية متتالية هو أيضا إنسان لا يكف عن وضع أقنعة على وجهه، قناع على قناع شبيهة بشاربه الكث. وكل شيء فيه يأخذ مكانه: حركاته المحسوبة، لغته المتسربلة بأشكال من التعبير مختلفة، أشواقه التي طالتها رقة أنثوية لم يفت [لو] ملاحظتها، هي التي كانت أكثر "رجولية" منه بقدر ما كانت متقلبة الأطوار مقارنة معه. ومنذ وقوع هذا الكتاب في يد [نيتشه ] لم يعد يكف عن تصفحه ولا يبارحه أبدا. وكيفما كانت الأفكار التي يتضمنها وشرارات التفكير التي يحتويها بين دفتين وكذا المفاهيم والشروخ، فإنه يكتب عن هذا الشخص الكتوم، الرقيق واللبق ذي الفكر الذي يلامس النجوم ويجعله متخفيا دائما عن أنظار الآخرين.
قلنا أعلاه بأن كتاب [لودوسالومي ] عن [نيتشه ] كان ضربا من سيرة داخلية عن هذا الأخير إلا أنه في ذات الوقت سيرة عن الألم والعافية. فآلام (نيتشه) كانت واقعية. ذلك أنه كان يعاني من صداعات نصفية رهيبة سبق لأبيه أن عانى منها بدوره. ثبت كذلك أنه كان يعالج أمراضه الجسدية بالفلسفة وآلامه بالمعرفة وهو بذلك تعود على تحويل معاناته إلى معرفة. ومن بين هذه الأمراض التي كان متوحد (سيلس ماريا) يتعافى منها مرض اسمه [ريتشارد فاغنر]. يقول هو نفسه: "لم يكن [ فاغنر] إلا واحدا من أمراضي، وبعده أتت [لو] ثم [ كوزيما] وكانوا، كلهم، موضوعات لأشواق الفيلسوف، علق عليها آمالا فبادلته بالإحباط والخيبة. إحباط وخيبة كانا وراء معاناته الدائمة من عذابات رهيبة في رأسه، لن يسعنا إلا مقاسمته عذاباته عند قراءتنا لكتاب (لو) الذي هو أكثر من مجرد كتاب؛ إنه شهادة من شاهد عيان على معاناته. كان (نيتشه) يتعامل مع كل اختبار كما لو كان معركة وكل هدنة كما لو كانت سحقا لخصمه. يكتب قائلا في رسالة لـ (لو): "ضد كل هذا، ضد الحياة والموت استخلصت طبي (…) آه، صديقتي العزيزة، كلما فكرت في هذا تأثرت واضطربت. لا أدري كيف استطاع كل هذا أن ينجح، طافح أنا ملء كياني بالرحمة تجاه نفسي وبإحساس انتصاري".
سيتوفى (نيتشه)، وهو بطل العلاج بدواء الفلسفة في السنة ذاتها التي أصدر فيها [ فرويد] كتابه "تفسير الأحلام" (1900). وكان ينكر إمكانية التداوي من خلال العلاج السيكولوجي. أما (لو) فسوف تسلك طريقا جديدة، هي طريق [ فرويد] والقرن الجديد.
يتألف كتاب (لودوسالومي) عن [ نيتشه ] من ثلاثة أجزاء:
-شخصية نيتشه
-تحولاته
-وجزء أخير أقل تألقا بعنوان "نيتشه كنسق" والذي كتبته لاحقا.
أول تحول حصل في حياة الفيلسوف كان منذ طفولته الأولى عندما قطع رأسا مع الإيمان الديني المسيحي. أما التحول الثاني الذي لم يكن واضح المعالم، بما فيه الكفاية إذا قورن بالأول، كان في جفوته مع [فاغنر] ثم خيبته من حب مستحيل مع مؤلفة الكتاب نفسها [لودوسالومي ] ومن الصداقة التي كانت تربطه بـ [ري ] التي لم ينتبه أي كاتب عن حياته لأهميتها. يعد كل هذا يجعل (نيتشه) من نفسه ديونيزوسا باحثا عن [ أريان ] التي يذهب [غي دوبورتاليس ] إلى أنها الآنسة "لو" في ناكسوس وذهب [شارل اندلي ] إلى أنها [ كوزيما فاغنر] ذلك الحب السري الأكبر لنيتشه. تلك التي لا يمكن تحملها، الممقوتة، المعادية للسامية. "أريان، أحبك": جملة كتبها (نيتشه) في رسالة إليها بعد أن دخل مرحلة الإنهيار الصحي الكامل ويوقع أسفل الرسالة باسم (ديونيزوس).
أشار [جيل دولوز] إلى هذه الاجتهادات التبسيطية البيوغرافية عندما أورد عبارات لنيتشه نفسه كتلك التي قال فيها: "من غيري إذن يعرف من تكون أريان هذه!". فلسفيا، يجسد شخص (أريان) الإثبات الثاني للكينونة. ومن بين كل هذه الزفافات الخيالية، يختفي الأهم في المتاهة: إنه (ديونيزوس) نفسه، إنه كذلك داخل الأذن، متاهة الإثبات والسيرورة. عندما كانت (لو) منهمكة في كتابة مؤلفها عن (نيتشه) لم تكن قد قرأت بعد كتابه (هذا الإنسان)، ومع ذلك كتبت تقول: كانت الموسيقى -هذه الشكوى الصوتية حسب نيتشه- ترافقه إلى ذلك اليوم الذي حالت بينه وبينها صداعاته النصفية وكان يرى بان الموسيقى تسفه كل أنواع الخواطر. تسجل (لو)، بشكل خاص، أن (نيتشه) كان يولي أهمية خاصة لأذنيه "البالغتي الصغر والمشكلين بدقة متناهية" ويمكنهما أن "تلتقطا الأشياء الأكثر دويا"، يقول:" لك أذنان صغيرتان، لك أذناي، يقول ديونيزوس لأريان، ضعي ها هنا كلمة موزونة".
ستغدو (لو) مدوخة تحت قلم حبيبها الخائب (نيتشه). فهو الذي كتب لها عشر حكم مقتضبة كوصايا أسلوبية. أول وصية تنبثق عنها كل الوصايا التسع الأخرى تقول:" أول ما يهم في الحياة هي الحياة، أما الأسلوب فيجب أن يحيا". وصية خاصة بصاحب الأسلوب وبالمرسلة إليها. إنها محاكاة لصوت حي. فالحياة تترجم من خلال "غنى الإلتفاتات". طول وقصر الجمل، شكل الكتابة، اختيار الكلمات، توقفات، توالي الحجج (…) الجسد يقعد الأسلوب في هذا النص المعاصر بشكل مدهش - تصف (لو) أيضا الفيلسوف وهو في وضع الكتابة:"لا جالسا على كرسي منضدة بل وماشيا وحيدا معيدا في كل خطوة حكمه المقتضبة.."، "استطرادات بصوت خفيض"، "إيماءات صامتة للفكر"، تكتب (لو)، بدورها، في لغة عبقرية، والعبقرية ليست هي ما يعوز هذا الكتاب فتكاد لا تبارح أي صفحة فيه. وهو ما يدل على أن دروس أستاذها في فقه اللغة نجحت في أن تجعل من تلميذته الحسناء أسلوبية جديرة باسمه. إن اللقاءات البهيجة والمضيئة مع (نيتشه) جعلتها تكتشف، بخليط من الوضوح والغموض، الصرامة الفلسفية دون أن تنيرها كلية وتجعلها متناغمة مع إحساسات بالسعادة منتظمة. إنها، بصفتها امرأة، كانت تحوم حول قط. تنجح في اصطياده وتستخلص من فروته إشراقات إيروطيقية من النمط البودليري.
إن نص (لو) يهيم حبا بنيتشه دونما استحياء تقريبا. ومن خلال هذا النص اكتشفت ما وفقت في تسميته بـ"الخواطر المخلوطة ببهارات" لشخص كتابها.
انظروا إلى الكيفية التي تتحدث بها عن عودته القصية إلى ذاته، هذه العودة للطفل الضجر، المتهالك إلى وطن إيمانه البدائي والذي "اختفى في ظلمات ليل يملؤه النسور عن آخره"
لاحظوا الكلمات الأخيرة "نتبين في ضحكه رنة مزدوجة، ونرى في وجهه تباعا غبش الشيطان وابتسامة الظافر".
رب قائل يقول: إنها مجرد حذلقات لغوية وفذلكة عاطفية. قد يكون ذلك واردا، لكن صاحبة هذا الكلام، رأته بأم العين وهو ما لم يكن من نصيبها. قد يكون، لكنها كان قد جاوزت الثلاثين بقليل عندما أطلعت (نيتشه) على البدايات الأولى لكتابها هذا عنه. مما لاشك فيه أن (نيتشه) ألهمها أكثر مما فعل (فرويد) عندما بدأت أفكاره تمارس تأثيرا عليها، والمسألة، مرة أخرى هنا، هي مسألة أسلوب.
كان [مالويدا فون ما يزنبرغ)؟ ذلك المثالي الألماني الذي عاش حدادا أزليا على حب مفقود والذي قدم (لو) لـ (نيتشه) بنية تزويجهما -يرى أن (لو) "فتاة شابة غريبة الأطوار جدا" -وعلى عهدة الراوي الخاطب- فإنه طار بحثا عن هذه المجهولة التي سمع عنها. يقول: "نهم أنا لهذا الصنف من الأرواح. لا بل أذهب للتو لاقتناصها". فتاة، في سن العشرين كانت. متمردة، صعبة المراس، تتشبت بنيتشه دون أن تحبه. فهو الذي اغرورقت عيناه بالدمع عندما رفضت طلبه بالزواج منها. تصوروا (نيتشه) مطأطئ الرأس، راسما دوائر على الرمل وماء دمعه ينسكب في بركة مياه؟
قصة الحب هذه على طريقة (روهمر) أخذت، مع ذلك، أشكالا تراجيدية تماما كما أخذها حفل خطوبة (الفيلسوف (سورين كيركغارد) الذي لم يتم. (كيركغارد) الذي لم يجد في خطيبته (ريجين) شبيهة بـ (لو-نيتشه) حتى تؤلف عنه كتابا.
عند قراءتنا لهذا البورتريه الذي كتبه (نيتشه) عن معشوقته، بالوسع أن نتبين كيف كان يتخيلها، إنها، فعلا، كواحدة من خواطره: "قبل هذا اليوم بقليل. كنت تبدين مزركشة الألوان، شابة كفاية وشاطرة كفاية أيضا، توخزين كبهارات سرية، وكنت في كل هذه الأوضاع، تجعلينني أشهق بقوة وأضحك - أما الآن؟".
كانت الخواطر العزيزة، الخواطر الخبيثة "تشكل -حسب لو- الحدث الحقيقي الوحيد في حياة هذا الوحيد". فاتنة، شابة وشاطرة واخزة وبهارية: بهذه الصفات التي وصفها بها (نيتشه) يمكن أن نعتبرها، دون شك، واحدا من أكبر الأحداث في حياته وبالتالي -أردنا ذلك أم لم نرد، سيدة خواطره" ·!!
************
كاترين كليمون
ترجمة: عبد الله زارو
عن المجلة الأدبية الفرنسية، أبريل 1992.
1 - لودوسالومي: فردريك نيتشه من خلال أعماله، مطبوعات غراسي، ترجمة (جاك بينوا ميشان)، 1932. وظهرت ترجمة جديدة للكتاب مؤخرا لـ(أوليفيي مانوني) عند نفس الناشر.
اقرأ المزيد...

هلوسات ما بعد اللفافة الثالثة

لأن الطقس حار لا يطاق ولأن الملل والفراغ يعتريان كل الأشياء من حولي فقد استلقيت على شاطئ رماله عبق أيام أعيشها كما هي دون خيال ولا تفكير في أمور غير متوقعة الحدوث لكنها في كل الأحوال تثلج الصدر وتملأ الفراغ.نصيبي إلى الآن عقدين ونصف والقادم حتما سيأتي فلم التفكير فيه ما دام العمر ينبض حياة..؟؟
نصيبي كما قلت عقدين ونصف كما هو مدون في تأشيرة الحياة، وكرسي وكوب أسود . أمامي تتدلى عناقيد أحزان أقطف مرارتها، أحضنها، فالحياة بلا أحزان كذب وبهتان، قلت: لو لم نختلف لأنجبنا قبيلة. قالت: هي ذي لعبة الحياة وهي الأقوى..ثم اختفت كما تختفي الأساطير وظللت وحدي أنفث خيبتي في جمر اللفافات في المقهى الصاخبة حتى شعرت أنني لم أعد متعلقا بالكون وكل توافهه. رفعت رأسي وكان الشارع غاصا بالبشر. بالذات تأكدت : لم يخطئني ولم أخطئه فهو يشبهني أو يشبه أبي ، جلس قبالتي . في البداية لم أعره اهتماما . ظننته خيالا حمله طنين الصمت الذي يشد رأسي بعد اللفافة الثالثة . تحملت صمته مثلما تحمل هو صمتي . ثم انفجرت كل أسئلة الغيب فتداعيت لها بلا مقاومة : 
- ما الذي تغير فيك ؟
قالت ملامحه :
- ألا ترى ؟ شعرك ابيض ، وهذه ليست أسنانك الأصلية ، والوجنتان اختفتا ، آه ما أقسى الزمن..
قاطعته ، فلم أكن على استعداد لسماع مزيد من الحكم :
- حبل الحياة قصير، أعلم ذلك، لكن أرجوك أخبرني، هل تزوجت برحاب؟
أحنى من سأكونه رأسه وأخذ يداعب إبهامه بشفتيه ـ تماما كما أفعل أنا في لحظات الفراغ، ثم شرع يتكلم:
- لا تتعلق بشيء .لا بشخص ولا حتى بالحياة نفسها . أو لا ترى الموت مجسد في كل جزئيات الحياة ؟؟، في النار ، في الماء ، في الهواء ، في العقول ، في القلوب..
لقد صار أكثر حكمة أو أنه يتظاهر بذلك، لكن لا بأس، سأسأله مجددا، سأتداعى عليه:
- إسمع جيدا ، لم يكن بإمكاني أن أرفض ما لم أستطع رفضه ، لكن قل لي ، باستثناء ما أراه من فقدانك لأسنانك الأصلية وما يظهره سعالك من أن رئتاك أصبحتا مهترئتين وشعرك الأبيض المنتوف ، أتراك فقدت أنفتك ، أحباءك ، كبرياءك..
أحنى رأسه مجددا ،حينها لاحظت كيف أصبحت نظارتيه أكثر سمكا ، ولم يتكلم هذه المرة فلربما صعقته هذه الأسئلة ، ولم أرد أن أقسو عليه أكثر مما ظهر لي من قسوة الزمن عليه ، استبد بي السؤال عنها ، قلت :
-أتراك أب لأبناء رحاب ؟
قاطعني هذه المرة:
- أووووف ، حاولت مرارا قلب دفة الحديث ، لكنك ملحاح ، لذلك خذ : رحاب تزوجت شخصا آخر ولازالت تمقتك لأنك فضلت الكتمان كتعبير عن كبرياء مريضة..
قاطعته :
-فلتعلم أنت ، وهي أيضا ، أن تلك لم تكن قط غلطتي..
-لكني أؤدي ضريبتها .فلا أسوأ من الشيخوخة والوحدة..
-إذن..فقد ذابت في الملكوت الدنيوي..
-أجاب بحزم :
-إسمع ، أنا على استعداد لجوابك عن أي سؤال تطرحه ، لكن في النهاية تبقى مسألة حياة أو لا حياة ، بمعنى أن تعيش كل لحظة وأنت مثقل بوطأة السؤال : أن تكون أو لا تكون..حتى في الحب
صعقتني كلماته أنا الغارق في عبث الشباب لا أدري لما سيأتي حيلة ، شعرت بالحرج وبالأسئلة تتداخل في ذهني .هو يخبرني بالنتائج وأنا لم أنضج بعد لتجنب الأسباب .لطالما توقعت مآل فكرة ما أو نتيجة سلوك ما . لكني لا أستطيع تجنب أسباب وقوعه . وحتى إن طرحت عليه هذا الموضوع فلن يفيدني بشيء .كان بإمكاني مثلا أن أساله : بعد هذا العمر الطويل بما تنصحني : كي نصير معا ، كي ننجب قبيلة..لكني لم أفعل ذلك ، لم اسأله ، فقد لامني لأني فضلت الكتمان ، وأنا ألومها لأنها بتفكير غريب تتعايش مع الحياة.وها أندا مع أنايا الهرم الذي سأصيره ، مع هذا الوعاء المتختر من التجارب ، نظرت إلى عينيه ، فيهما عتاب للزمن ولي أيضا ، ربما يجلدني لإضاعتي العديد من الفرص ،أو أنه لم يتفهم أن الأمل هواية لا يجيدها الجميع ، قلت :
- ذلك يشبه تماما من يتمنى أن يكون له أنف جميل أو أن يكون لاعب كرة قدم ماهر..
أعقب، بعد لحظة تفكير صوب خلالها عينيه نحو المطلق:
- الحياة لها دائما وجه واحد،مسار واحد ، نهاية واحدة، لكنها لم تكن قط عبثا، يبقى لشيء ما دائما معنى يعطيها كل الأهمية..
إنه الآن بعد هذا العمر الطويل وصل إلى ذروة الحقيقة بمعنى الحياة ، فسرت الأمر في البداية بعجز الجسم عن مواصلة مغامرة العيش بذات الحماس ، فكرت في الهواجس الأخرى ، لو أن الإنسان يغادرها حيثما يشاء ذلك دون ألم و أن يمحى من الأذهان بالمرة كأنه لم يكن بالمطلق حتى لا يتذكره أحد ، إنها أفكار تأتي ثم تمضي ولا مجال لمحاولة التشبث بها لأنها حتما إلى زوال..تماما كهذا الذي أمامي ، هذا الذي شغلني مرارا التساؤل عما سيكون وكيف سيكون ، هو الآن أمامي لكن ليست تلك حتما حقيقته ، أضغاث أوهام استفقت منها بعدما أخذ مفعول اللفافات ينمحي ، رويدا رويدا بدأت أعود إلى واقعي ، إلى الصراخ والأعين المثبتة تكاد تفترس من أخذته نوبات السهو ، سبحان من لا يسهو ولا ينام ، كانت كفا غليظة تربت على كتفي ، كانت كف النادل، العريض المنكبين..
-السي فلان سبحان من لا يسهو ولا ينام..
فهمت أنه موعد الإغلاق ، نظرت حولي فوجدت أن كل الزبناء غادروا المقهى والشارع شبه خالي ، اتمم النادل :
-هاه ، كان رائعة المسرحية ،الآن هيا ، فلم يبقى في المقهى-الحياة- سواك...
م.ش / الدار البيضاء/ يوليوز 2011. !!
***************************
بقلم محمد الشاوي
اقرأ المزيد...

سؤال الدعارة الرخيصة..تراجيديا الأجساد المتهدلة

"وطني وإن لم يعشقني وأنا الذميم الجلف 
كعشق فتاة لفارسها الوسيم
لم يعد وطني 
إنه سجن بلا قضبان"
باكونين
كم هو صعب هذا الذي نروم كشفه, كم هو قاس ومؤلم هذا الأخذوذ الذي سنهوي إليها جراح واقع بئيس ترفض الاندمال, ودموع مالحة تهتاج من مقل مدن وقرى غاب عنها التخطيط وهرب عنها الماء والكهرباء وأدنى شروط العيش الكريم.. فقر وفاقة وضياع باذخ يدثر المكان.. وأجساد متهدلة من بندول الزمن الرديء. 
فعلام يؤشر امتهان أقدم مهنة في العالم؟ وعلام يتفتح سؤال الدعارة الرخيصة تحديدا؟! وأينكم أيها الرافضون والمدافعون عن خطة إدماج المرأة؟ كانت أسئلة ملتهبة اصطفت قبالتنا على طول خط القديد المملح (الكاموني, تيفلت, الخميسات). إنها انعطافات شقية لواقع يرهقنا البحث في هويته, ولاختلافات مجتمعية تدعو إلى الكلام وتحطيم كل قلاع الصمت التي تسيج الظاهرة خطأ وقصدا!!
في الطريق إلى...
"باقا بلاصة" "باقا بلاصة" كان "الكورسي" يرددها بأعلى صوته, داعيا كل الراغبين في امتطاء صهوة "الحديد" إلى الإسراع قبل الإعلان عن الإضراب عن نقل الأجساد عبر طرق قاتلة يتربص بها رجال غلاظ شداد!
"لقد ضقنا ذرعا بها" قالها السائق وهو يهم بتشغيل محرك سيارته, لينطلق بنا وهو يسابق الريح ضاربا بعرض الحائط كل الوصلات الإشهارية التي تنبعث من الراديو والتي تطلب من مستعملي الطريق احترام قانون السير! لم يأبه بأغنية "سير بالمهل" ومضى يطوي المسافات طيا, وقد جلس على جانبه في المقدمة رجلان في خريف العمر يتجاذبان أطراف حديث باهت عن السوق والباطوار والفول... أما الثلاثة الآخرون الذين تزاحموا معي في الخلف فقد كانوا غارقين في تبادل كلمات مرموزة تحيل مباشرة على الجنس, كانت رائحة الإسمنت تعطر ثيابهم وأياديهم المشقوقة.. فلربما انتهوا أخيرا من عمل شاق بأحد أوراش البناء وفكروا في الذهاب إلى الكاموني أو تيفلت لتذوق طعم القديد المملح!
كان السائق يرقبهم خفية بواسطة مرآته العاكسة, وهم يتخاطفون على حبات لوز وكوكاو! بعدما اجتاز الصراط الأول عند "خرجة" سلا عمد إلى تشغيل شريط غنائي شعبي اهتز له جيران الأمام والخلف.. لكن آثار الحفل ستندفن مباشرة بعد الوصول إلى الكاموني, وبالضبط عند "الدخلة", حيث يرابط "رجال الحال" بزيهم الرمادي لحصد إتاوات الدخول والخروج على بعد أيام من الاحتفال باليوم الوطني لمحاربة الرشوة!
العرس الأسبوعي
كانت الكاموني أو سيدي علال البحراوي ترفل في أجواء عيدها الأسبوعي, إنه يوم الأحد, يوم السوق الذي تعج بالإنسان والحيوان, إنه الكرنفال الأسبوعي الذي تفتقد فيه "القرية المتمدنة" هدوءها النسبي لتلتحق هي الأخرى بضجيج العالم وقبحه الفادح.
الكاموني لا تشكل استثناء في مدن وقرى الملح المغربية, قدرها هي الأخرى شارع وحيد ما كان له أن يكون لولا إكراهات الطريق الرئيسية, تصطف على جانبه الأيمن "حوانيت" متسخة لبيع الشواء المغدور, ومقاه لا معدودة لاغتيال الوقت, وعاهات اجتماعية, لن تقدر أية إحصائيات متواطئة على أيامنا بأن الفقـر المغربي محدود فـي 13%, فهنا في مثل هذه الفضاءات يتحطم السابق من الطروح, وينكشف الزيف وتبدو الحقيقة من غير مساحيق!
الكاموني قنطرة مهترئة لزمن أضاعنا في طرقاته اليتيمة, يخيل إلى زائرها أنها تبعد بمئات السنوات الضوئية عن الرباط وسلا وليس فقط بحوالي 30 كيلومترا!! كان عرسها "الأحدي" ومع ذلك كانت تذرف دموعا مالحة تنسكب من هامش هامشها, حيث تباع الأجساد وتكترى! فبعيدا عن الشارع اليتيم تنتصب ديار غاب عنها التخطيط وخذلها المسؤولون, تستعرض عند أبوابها "نساء ونساء" أنوثتهن الباهتة أمام القادمين من السهول وحصين والمعمورة والسمايطو والرباط وسلا!!
منهن من استعمر الشيب رأسها, وفعلت التجاعيد فيها ما فعلت, ومنهن من لم تنه بعد ربيعها الثالث عشر. من كل الأجيال والألوان والأشكال.. نساء اقتادتهن الظروف إلى احتراف أقدم مهنة, ينادين على المارة, يستعملن مختلف وسائل الإغراء للظفر بالزبائن.. إنه ماركوتينغ اللذة!
مع "الميلودية"
البرد فقط هو الذي يمنعهن من "العري", ومع ذلك فقد حرصن جميعا على اختيار ما يخنق اللحم من لباس, حتى تبرز المفاتن ويقع "القادم" في الفخ! واليوم هو يوم الجوك, ولهذا لابد من استعمال كل الأساليب حتى "تطلع الرصيطة" هذا ما أخبرتني تلك السيدة التي تجاوزت الثلاثين, وتدعى الميلودية والتي أدخلتني كرها إلى جحرها, لم تكن بمفردها هناك, ففي باحة المنزل أخوات لها في المهنة يفترشن حصيرا قديما ويحتضن وسادات لا لون لها, وقد أصابتهن جميعا لعنة العري الباذخ.
وفي العمق كانت "الحاجة" سيدة المكان تقتعد كرسيا عاليا, وقد طوق "اللويز" عنقها, وتدلت من أذنيها أقراط ذهبية, كانت الحاجة تصرخ في وجه فتاة قاصر "أنا ما عنديش الأوطيل هنايا, تحركي شويا اليوم 20 درهم ماشي 10".
أدخلتني الميلودية إلى غرفة مجزأة إلى عدة غرف, يفصل بين الواحدة والأخرى "إيزار" تعلوه بقع صفراء, كانت الغرفة فارغة إلا من قطعة من "البونج الرديئ" وبعض "الشراوط", وقبل أن تبدأ في نزع ما تبقى من ثيابها الداخلية, قدمت لها 20 درهما, وأخبرتها بأنني أريد معرفة الأسباب الكامنة وراء ارتمائها في هذه المياه العكرة! "100% أنت طالب تادير شي بحث, وإذن ما كاين باس, أشنو باغي تعرف وأشنو تا تعرف؟".
"كل ما أعرف هو أنني لا أعرف شيئا", هكذا صاح سقراط ذات مرة وهو يتجول في الأسواق بحثا عن الحقيقة, وكل ما أعرف أنني لا أعرف شيئا أيتها الميلودية, فهلا تكلمت!
إغتصاب فدعارة
إسمي هو الميلودية بنت علال, أبلغ من العمر 34 سنة, جئت من دكالة, واستقر بي المطاف بالكاموني, بعدما اشتغلت في أشهر عواصم الدعارة بالمغرب: خنيفرة, القصبة, عين اللوح, آزرو, إيموزار, الحاجب, الخميسات, تيفلت, لقد دخلت هذا العالم منذ 15 سنة.. ولدت مرة واحدة وأعطيت طفلي لأناس أغنياء. لما بلغت الثامنة عشرة, اغتصبني والدي مستغلا سفر والدتي وإخوتي, حينها لم يكن أمامي إلا الهروب, لقد حطمني والدي, حاولت في البداية أن أجد عملا شريفا, لكنني فشلت, وبذلك وجدتني أمارس الدعارة في الجديدة ومنها إلى خنيفرة, وهناك تعلمت أصول "الحرفة". لكن الحاجة/ الباطرونة لم يكن ليروق لها طول جلستنا, ولهذا بدأت تصرخ وتكيل للميلودية وابلا من الإهانات, بدت علامات الاستياء واضحة على محيا الميلودية, التي لم يعد لها السواك جمالها الهارب, أرسلت لها "دعوات صالحة" همسا, وانطلقت نحو ما ينتظرها من عناء, إنه يوم الجوك!
زوج هارب
برحت المكان الموبوء, لألتحق بصخب الزقاق الذي يتقاطر عليه شيب وشباب, يبغون ممارسة الجنس, وفي الذهن تتراقص حكاية الميلودية والحاجة والفتاة القاصر والذهب واللحم المالح!
محاولا الخروج من متاهة الأجساد, إخترقت وحدتي "عاهرة" أخرى تقترح علي تعلم فنون "...." في مدرستها, استجبت لندائها رغبة في الارتواء المعرفي, كان بيتها مختلفا عن السابق, أطفال صغار يعيشون بزجاجات خمر فارغة, قذارة تملأ المكان! "أنا أعمل لحسابي" توضح السيدة فاطمة 36 سنة, لكنها سرعان ما تنخرس عندما تعلم ما جئت إليه, لكن الورقة التي أعطيتها إياها, والتي دستها جيدا في حاملة النهدين, جعلتها تتكلم وتقول "لقد هجرني زوجي منذ 5 سنوات, وأعرف أنني السبب لأنني أرهقته بالأولاد, هرب المسكين لأنه لم يعد قادرا على تغطية مصاريف البيت, حاولت في البداية أن أقوم بالدور, عملت في البيوت, وفي الأخير, لجأت إلى بيع لحمي, أعرف أن هذا حرام, ولكن الفقر "ولد الحرام", عملت عند "القوادة فاطنة" في البداية, وبالنسبة للمدخول فهو يتراوح بين 200 و250 درهم يوم الأحد, أما الأيام الأخرى فلا يتجاوز 50 درهما, وثمن الممارسة الواحدة هو 10 دراهم, ونرفعه في المناسبات إلى 15 أو 20".
القديد المنشور
في دوار الضبابة بمدينة تيفلت, قابلت من جديد الشبان الثلاثة, قرأ لي أحدهم السلام, فوجدتها فرصة سانحة للانضمام إليهم, فالتسكع الجماعي في دروب هذا "الدوار" قد يمنع عنا اعتداء محتملا لمنحرفين كثيرين استعمروا كل الزوايا لبيع الخمور والمخدرات وجمع الإتاوات من الباطرونات!
"نأتي هنا لأننا لا نريد أن نتعب أنفسنا بدوامة القنص والنكان" يصرح أصغرهم وهو يوزع نظراته وابتساماته على الأجساد المرابطة عند الأبواب المهترئة, أما صديقه الذي أمسك منه خيط الحديث, فقال "لا أستطيع الزواج حاليا, فأعباؤه ثقيلة جدا, ولن تجد بنت الناس التي يمكنها أن تصبر معك اليوم, لكنهن يردن المال والسيارة, وأنا مجرد "طالب معاشو", فكيف لي بالزواج, وبالإضافة إلى ذلك فأنا لا أستطيع الاستغناء عن حاجاتي الجنسية". في حين تساءل الثالث "لماذا نتهم صاحبات هذه المهنة بالدعارة؟ أو ليست مهنة شريفة في ظل واقع خبيث يرسل إلينا شواظا من الفقر والألم؟ ثم ألسنا نحن أيضا داعرين؟" ولم يكن صاحب هذه الأسئلة الحارقة إلا السيد (م.م) 28 سنة, الحاصل على الإجازة في الأدب العربي, والتي لم تقده إلى الوظيفة بل إلى البطالة والبغي! 
كان دوار الضبابة غارقا في احتفالات الجسد المملح بدموع الأيام البائسة, يسافر بزبنائه إلى لذائذ ممزوجة تدل على عفن الوقت, القديد المنشور على حبل غسيل لم يغتسل من كل خطاياه! منشور بشكل مختلف عن الكاموني, فهنا ترتفع "الكثافة الداعرة" بدرجات عالية, فقد تؤم الدار الواحدة أزيد من 20 "عاهرة", وهنا أيضا تنصدم العين, وربما تبتهج بموسم العري الباذخ, فلا لسعات البرد ولا حرقة الشمس يمنعان من كشف المفاتن وإلى أبعد حدود الإباحية, هنا الضباب, هنا الأخطاء كلها!
بقعة أرضية
فتيحة فتاة جميلة لم تخط بعد نحو عقدها الثاني, نشأت في أسرة يدثرها الفقر والفاقة, كان الأب قاسيا, لا يجيد إلا السب والشتم, وكانت الأم منشغلة بعشاقها الكثر, أما إخوتها فكانوا يتعلمون في وجهها الدروس الأولية في الملاكمة! لم تستطع إكمال مشوارها الدراسي, وقعت في حب شاب متلاعب, افتض بكارتها, وغادر المدينة إلى غير رجعة! عذبت وعنفت وذاقت المر لما عرفت عائلتها بالأمر, تحينت الفرصة وهربت..
من آسفي قدمت على البيضاء, حيث ضاعت في شوارعها, حتى حبلت من أحدهم, وتخلصت من جنينها بالإجهاض, واستقر بها المطاف القاسي أخيرا بتيفلت, مدخولها اليومي يصل إلى 400 درهم أحيانا, وتتوفر على حساب بنكي, وعلى بقعة أرضية أهداها إياها مسؤول جماعي, رقصت في إحدى لياليه الحمراء, إنها طموحة, تريد أن ترتقي بالدعارة إلى مستوى عال من التنظيم "ولم لا بالهاتف والمواعيد المسبقة", تقول فتيحة "أنا متأكدة من أن جمالي لا يدوم, فالواحدة منا في هذه المهنة تشيخ مبكرا, ولهذا فأنا لا أريد أن يباغثني الفقر, فليس لي اليوم وغدا من شيء إلا جسدي, أسرتي ترفضني, والواقع كله يرفضني كفتاة شريفة, الجميع يريدني جسدا فاتنا فقط".
حقوق محفوظة
وعن "رجال الحال" الذين يزورون دوار الضبابة من حين لآخر تقول المدعوة "ماريا" "فهنا في عالم الدعارة لا معنى ولا قيمة للأسماء, رجال الشرطة يواظبون على المجيء إلى الدوار ليس فقط لإلقاء القبض على المتلبسين بتهمة الفساد, بل لاستلام حقهم, إنهم يأخذون من الباطرونات أموالا طائلة, وفي الوقت ذاته يوفرون الحماية لنا". ماريا هي الأخرى تخطت عتبة الثلاثين, وفي حوزتها هي الأخرى أكثر من طفل مجهول الأب, لا تعرف إليهم سبيلا, إنها تناضل من أجل أسرتها القاطنة بهامش مدينة الرباط, فالأب مقعد والأم كفيفة, والإخوة معطلون, والجميع يعتقد أنها تعمل في شركة خاصة بالبيضاء. وبذلك تزورهم على رأس كل شهر حاملة إليهم ما يستعينون به على قضاء حاجيات "اليومي". "مساكين إنهم يقولون للناس إنني أعمل بالبيضاء, ولكنهم لا يعلمون أنني أبيع جسدي على مقربة منهم" تقول مريا وهي تتأمل دوائر سيجارتها الشقراء لتختم بطريقة من نال حظا معينا من التعليم "الفقر أصل كل داء".
من أبغض الحلال
إلى الخميسات لا صحيحة لا فليسات, كان السفر الجديد, لكتابة سفر آخر من أسفار القديد المملح, لقراءة تفاصيل الألم الرابض فوق أجساد نخرة تبغي وطء عوالم أخرى من المساومة والاعتراف!
كان خصرها هي الأخرى يحتزم مواخير لبيع اللحوم الملونة, ففي هامشها المقصي نبتت ديار بغير اتساق, تأوي فتيات في خريف العمر, هرب عنهن القطار وتركهن يمارسن الدعارة خطأ في زمن الأخطاء! هنا أيضا تكرر سيناريو العري مثلما حدث في الكاموني وتيفلت, فهذه تنادي عليك وتلك تجرك والأخرى تستجدي سيجارة! فجأة وجدتني في عمق بيت "متهدل", غادرته الحياة الكريمة, صاحبته تطلب الدفع مسبقا! اغتاظت كثيرا عندما سلمتها ورقة نقدية, ضحكت حتى لاحت أضراسها المتسوسة, ثم قالت "كان زوجي هادئا ومثاليا في البداية, لكن سرعان ما تغيرت أحواله, تحملت منه الأذى والإهانة, كان يستقدم العاهرات إلى البيت, حاربته بنفس السلاح, وخرجت إلى الفسادإلى أن اكتشف أمري مع صديق له فقرر الطلاق, ومنذئذ وأنا أمارس الدعارة.. زوجي هو السبب وطلاقي بداية المشوار".
بورصة اللحوم
فمسعودة التي سافرت كرها من أبغض الحلال إلى دنيا الحرام, كانت تشاركها هموم المهنة زميلة لها تدعى حليمة لم تتجاوز العشرين ربيعا أو خريفا بعد! فقد جاءت هذه الفتاة إلى هذا العالم خطأ كثمرة لعلاقة غير شرعية بين أمها الفقيرة وأبيها الذي لا تعرف إليه سبيلا, ولهذا نشأت في دنيا الفقر والفاقة, وكلها أمل في أن يحضر الفارس الوسيم الذي سوف يخرجها من ظلام الأيام, إلى أن غرر بها أحدهم, لتجد نفسها في "الحاجب" مجبرة على ممارسة الدعارة, وهي التي كانت تصدق "فارسها" وتعتقد أنه سيأخذها لزيارة والديه لاستكمال باقي ترتيبات الزواج! لتصدم في الأخير, وتعي جيدا بأنها بيعت في بورصة اللحوم..
حاولت حليمة أن تنفلت من قبضة ما وقعت فيه, ولكنها فشلت في أكثر من محاولة, لتستسلم أخيرا وتمتهن بيع لحمها لزبناء اللذة, وها هي ذي تستقر اللحظة بالخميسات تبحث عن "الصحيحة" و"الفليسات".
إن لم يعشقني
كرنفال الأجساد يواصل هديره الصاخب, ينفتح بنا على كل مظاهر الخلل الاجتماعي, تستمر نساؤه في حياكة زمن قاس يحكي هباء العابر, يفتح فاه وينصدم قبالة المحكي والمحاك!
الفقر, الفاقة, والأمراض الاجتماعية, وغيرها من ظروف لتنمية المعطوبة كلها تلقي بظلالها القاتمة على خط الدعارة "الكاموني", تيفلت, الخميسات, وعلى جميع خطوطها التي تمتد طولا وعرضا في زمن أخطائنا المغربي!
إنها مجرد حالات هاربة من ستار التلميع والتنظيف الاجتماعي, انشقاقات وتصدعات باذخة لم تنفع معها سبل التورية والإخفاء, تفضح كل الخطابات الوردية حول حقوق النساء في هذا الزمن! الميلودية, الفتاة القاصر, الحاجة, الشبان الثلاثة, فتيحة, ماريا, مسعودة, حليمة والوجوه المتشابهة الأخرى كانت تتراقص أمامي وأنا مستلق فوق كرسي بئيس بحافلة تقصد الرباط. لقد هدني التسكع في "سوبرماركت" القديد المملح, وغرس في أعماقي إحساسا فظيعا بالألم!
ضجيج الأسواق, رواق الجسد, احتفالات الثامن من مارس المناسباتية, ومشاهدة ماسخة للدعارة الرخيصة, تأخذني في ما قاله باكونين ذات مرة:
"وطني وإن لم يعشقني وأنا الذميم الجلف 
كعشق فتاة لفارسها الوسيم
لم يعد وطني 
إنه سجن بلا قضبان"
لما لفظتني الحافلة إياها عند نهر أبي رقراق, كانت الرباط تستعد للنوم, فقد ودعتها الشمس إلى يوم آخر, نحلم بأن تكون أكثر إشراقا ونقاء من الفائت! حينها تأكد لي بقوة صدق ما ذهب إليه سقراط في ذلك العهد البائد, فكل ما نعرفه هو أننا لا نعرف شيئا, نعم لا نعرف شيئا, فبالرغم من كل هذا الذي رقد طويلا أو قصيرا في الذاكرة, ستظل الدعارة "فعلا إنسانيا" له أسبابه ونتائجه, التي تفضح إفلاسنا المجتمعي! 
*******************************
عبد الرحيم العطري
اقرأ المزيد...

يومياتي مع رجال

الثامنة صباحا... من كل يوم !!
جاري، منذ سنة و أنا أعبر أمامه كل صباح الدّرج و لا أعرف اسمه و لا تفاصيل وجهه و لا يعنني ذلك لكنّ كلّما تقاطعت خطواتنا صعودا أو نزولا التفتت إلى لحيته الكثة مرتديا جلابيب تقصير ذو سحنة سمراء يبادلني باقتضاب السلام و يغطُّ رأسه أسفل الدّرج ثم يلتصق بالحائط و يمرّ تاركا لي رسائل احترام كبير و بغض بصر يتحاشى جسد الشهوة العابر بسرعة نحو الباب .. ليلا على الشرفة أجد الكثير من أعقاب سجائره على الأرض ، وحين أصعد في كل مرة لأشتكي لزوجته عن معاناتي الكبيرة من دخان السجائر و بقاياه التي لا أدري كيف تبيح له لحيته فضميره أن يلقي بها على شرفتي دون أن يكون في ذلك وقار و احترام يدّعي الإنكار و بأنه لا يتوجب علي التحدث معه لكوني حرمة ! تكتفي زوجته البشوش بالاعتذار و بتسويف و تغديد..أن الغد سيكون دون سجائر..

الثامنة و عشر دقائق !!!

زميلي عبد العزيز المدرس الذي يسكنه الحشيش من الوريد إلى الوريد، رجل يتعدى عمري أضعافه يستقبلني و الصباح بابتسامته البشوشة المصطنعة بفعل التخدير ،وأثناء رحلاته المكوكية إلى عالم الإدمان يحكي لي كثيرا عما رآه في حياته ،أعتبره قناة ناشيونال جيغرافيك متنقلة !! لا يكفّ عن إلقاء خطب الحديث و القرآن و عن المرأة و عن الإحتباس الحراري، و فعلا رغم عيوبه التي لا تعد و لا تُحصى و رغم مشاحناته اليومية مع المدير فإنّي لم أر رجلا يحترم و يقدر زوجته مثله !

كلّ مرة يعدني فيها بأن يزوّجني ..و في كلّ مرة أمازحه : أين الرجل؟ يجيب بنبرة ساخرة ..لا أحد سيستحقّكْ (ولستُ متأكدة من ذلك حقّاَ))


الإستراحة !!!

أستاذة أستاذة..عبد الغني ضربني و قال لي كلاما فاحشا
أهرول ..آجي انتَ ! لما في كلّ مرة أضطر لأن أفهمك أنه يجب علينا احترام أخواتنا و صديقاتنا ، هاته المرة طفح الكيل فلتأتِ بوليّ أمرك !
يهزّ رأسه بغرور، يسحب أذنه من تحت أصابعي و ينطلق ..خمس دقائق ..تأتني والدته ، والد عبد الغني في السّجن وجدوه في شقة دعارة أحيل على المحكمة بتهمة الخيانة الزوجية لكنّي ذهبت البارحة فقط و تنازلت عن الدعوة لا أريد له السّجن أريده لأولاده سالما غانماً!
إني دائما أرى في عبد الغني مشروع مغتصب ، لا لشيء إلا أنه في كل استراحة يجب عليّ أن أعظ و أرشد و أهتم و أحنو علّه يأتي يوم فيه يرى الحياة بمنظور سليم..

الثانية عشر و النصف !!
اِبراهيم الجزار يقترب من الأربعينيات..زير نسوة بامتياز ،لم تسلم من معاكساته كل نساء المنطقة و كما سمعتُ من بعضهنّ أنه « عشّاق ملاّل » لا يعجبه العجب و لا الصيامُ في رجب لكنّه جزّار معطاء و كريم ، عيناه الزّائغتان عن موضعها تزحفان أميالا لتلتصق بأجساد النساء المارّة بالسّوق وهو يحاول باستماتة تمرير السكاكين لتنصل ، أكره المرور عنده لكنّ تفانيه في النظافة و في عرض أجساد البهائم على الدكان تغرني أكثر من اللازم فتشفع له حرفيّتُه و إن كنتُ لا أطيق معاكساته الصامتة .
لإبراهيم الجزار نظرة مختلفة عن باقي الرجال لعمرك ترى جزارا وسيما عندما يريد أن يقطع لك ضلعا من لحم شاة يلامسها بخبث عجيب ..
ابراهيم لا يتجرأ عليّ ، ابراهيم ذاك النّوع الذي يحتقر نفسه ضمنيّا أمام امرأة متعلمــة و أحترم فيه ذلك !

24 ساعة / 24 ساعة !!
رجل خفيّ بي و ليس لي، يسبح تحت الجلد يخاف عليّ كابنته..يغارُ عليّ كزوجـته ..يخاف من سخطها كأمه..يداعب صمتي كعشيقته ، رجل ينبهر بالقدرات و يشجعني على استكمال الطريق..
ومن سواه..القلم !
فكيف يا ترى يجدني كلّ من هؤلاء الرّجالْ ؟..سُؤال مشاكس لا غير !

********************
بقلم فاطمة الزهراء رياض


اقرأ المزيد...

في عشق اللّذة والعبوديّة



الغواية صناعة نسائية والنّهد قيمة ثابتة في بنية المرأة.
يشكّل النهد بحجمه وملمسه ولون بشرته عناصر مهمّة، تتداخل فيما بينها من أجل الرّفع أو الحدّ من قيمة وجاذبية الأنثى. من نهد الإغراء وإيقاظ اللّذة الجنسية إلى نهد الأم المرضعة والحاضنة، ثم النهد الجريح ضحية التحوّلات المورفولوجية تدور عجلة حياة المرأة. 
في السّابق، في بلاد الغرب، كان النهد يتّصل بكثير من التأويلات؛ الدّينية والفلسفية والاجتماعية، وتدور حوله كثير من القصص والطرائف، أما اليوم فقد استطاع الكثيرون تجريده، مثله مثل الأرداف، من هالته ومن قدسيته وتبسيطه إلى نفس مرتبة أطراف جسد المرأة العادية الأخرى. ولكن، في بلاد العرب، النهد كان وما يزال الغائب عن تفكيرنا والبعيد جدا عن مخيلتنا. يظلّ محاطا بهالة من الضبابية وممنوعا من الغمز ومن الأحاديث الهامشية. كما أن الدّين الإسلامي يحرم الخوض في مسائل مشابهة. تحريم تُجهل مقاصده يذكرنا بصرخة الإمام محمد الغزالي الذي سأل يوما: " متى يخرج فقهنا من دورات المياه؟"..ليردّ على نفسه: "لا ادري!..فالمساءلة تحتاج إلى جهود جبارة وعقول تعي أن الدين حياة وليس موتا". وتعي أن الحياة لذّة ومتعة وليس فقط عبوس وكآبة.


* * *
النهد موطن الإثارة. بؤرة العاطفة، قاعدة كل إغارة أو محاولة استمالة. من خلال حركات مضطربة، حسيّة، بطيئة أحيانا وقلقة، توظّف المرأة نهديها لكسب ودّ الرجل. انتفاخ النهدين واكتنازهما يحركان بالفطرة غريزة الذّكر. "لمّا تحرك المرأة نهديها فهي بالضرورة تحرّك قلبها" يقول الكاتب الفرنسي تريستان برنار.
للنهد مرادفات وتشبيهات تختلف من منطقة لأخرى وتتطوّر من زمن لآخر. بينما يوظف بعض عرب المغرب كلمة "sein sourdi" في إشارة منهم لنهود عاهرات رخيصة الثمن يوظف بعض الأوربيين مثلا عبارة "نهد الخدمة"(sein de service) في إشارة منهم إلى نهود الخادمات واللواتي تتحوّل بعضهن إلى خليلات أصحاب البيوت: يقمن بالواجبات المنزلية، مثل الطّهي والتّنظيف، في النهار ويتفرغن لإشباع رغبات أسيادهن الجنسية في المساء.

* * *
جاء في معجم لسان العرب: " نهد : نَهَدَ الثدْيُ يَنْهُد، بالضم، نُهُوداً إِذا كَعَبَ وانتَبَرَ وأَشْرَفَ". ويخاطب نزار قباني حبيبته: "يا صلبَةَ النَهْدَيْنِ.. يأبى الوهمُ أن تَتَوهَّمي/
نَهْداكِ أجملُ لوحَتَينِ على جدارِ المَرْسَمِ..". ويطلق العرب على النهد أسماء كثيرة، تختلف وتتعدد بالانتقال من منطقة لأخرى. ومن بين الأسماء والمرادفات المنتشرة والتي تحمل أحيانا معان تهكمية نذكر: بزول (أو زوايز)، الضرع، المحلب، التوأم، مضاد الصدمات(pare-choc)، الشرفة(balcon) وغيرها.
يرتبط النهد، في الذهنية العربية، في غالبية الأحيان بالجنس. فهو البوابة أو نقطة الانطلاق في إثارة أحاسيس المرأة. كما أن المرأة نفسها توظف نهديها في استثارة حواسها وإشعال لهيب لذتّها المختبئة بين فخذيها. في كثير من الأحيان، تبدأ عملية الاستمناء عند الفتيات والمراهقات من منطقة الصدر، من خلال ملامسة النهدين والضغط عليهما. تمرير الأصابع بينهما ومداعبة الحلمتين بطريقة "الحلزون". نسبة إلى فونتازم الحلزون الذي يسير ببطء، بجسم رخو على النهد مما يوقظ بشكل أفضل الحواس الداخلية المدفونة في الأعماق. ولكن الشيء الوحيد الذي يأسفن عنه في مداعبة النهدين هي عدم قدرتهن على لحسهما أو عضّهما. ويقول البريطاني هنري هافيلوك إليس (1859-1939) والذي يعتبر أحد مؤسسي علم الجنس: "النهد المنتفخ مثل القضيب المنتصب. والحليب الأبيض الذي يخرج منه يشبه المني. فكليهما ضروري للحياة".

* * *
إلى غاية نهاية ثلاثينيات القرن الماضي، لم تكن ظاهرة الكشف عن النهود في الشواطئ وفي المناسبات الخاصة معروفة ومنتشرة. كانت المجتمعات الغربية تفرض عادات، متوارثة عن القرون السابقة، تجبر المرأة على ستر العورة، خصوصا منها منطقتي الصدر وأعلى الساقين. وتمنعها من التشبه بالباغيات. ولكن، بداية من النصف الثاني من الأربعينيات (تحديدا سنة1946)، مع ظهور ثوب البيكيني في فرنسا، والذي انتظر حوالي العشرين سنة قبل أن ينتشر في أمريكا وأرجاء أوربا، بدأت النسوة تخرجن شيئا فشيئا من دائرة "الممنوع" ويشرعن في هدم الآراء المسبقة، الكليشيهات وأحكام القيمة، والظهور علنا بأثداء نصف عارية. وانتقلت موضة تعرية الصدور بسرعة إلى السينما وصارت، مع نهاية الخمسينيات، كثير من نجمات الفن السابع، في أوربا وأمريكا، لا تخجلن من الظهور بنهود مكشوفة. مثل بريجيت باردو في "وخلق الربّ المرأة"(1956) أو إيزابيل عجاني في "الصّيف القاتل"(1983).
في السّينما العربية، يبقى ظهور جسد المرأة إجمالا محتشما. مع ذلك، نشير إلى بعض الحالات الجريئة والقليلة. فبالإضافة إلى محاولات الفنانات يسرا، سمية الخشاب وسارة بسام في كسر المحظور، نجد العينة الأهم في الجراءة على كشف النهدين في الفيلم الجزائري "فيفا لالجيري"(2004) للمخرج نذير مخناش أين لا ترى الممثلة المغربية لبنى أزابال حرجا في الكشف عن صدرها.
الكشف عن النهد يظهر في أوساط الموسيقى أكثر مما هو عليه في السينما. في كثير من كليبات الفيديو الصادرة، خلال السنوات القليلة، لا تجد مغنيات شابات مانعا من التعبير عن أنفسهن وكشف جزء من أعلى أثداءهن. أمثال هيفاء وهبي، مريام فارس، روبي وغيرهن.

* * *
جاء في القرآن: "وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ…" (البقرة:233). النهد هبة للرجل وللرضيع في آن معا. ولكن غالبا ما تتفادى النساء الإرضاع خوفا منهن من فقدن بعض رشاقة البدن ونظارة وامتلاء النهدين. ففي الولايات المتحدة الأمريكية ثلاثة أرباع النساء لا يرضعن مواليدهن أكثر من ستة اشهر. في فرنسا لا تمتد عملية الإرضاع عند 50% من النساء أكثر من ثلاثة اشهر. هذه النسب المنخفضة في الإرضاع صارت، خلال السنوات الماضية، تجد طريقا لها عند المرأة العربية، مما يدفع بكثير من الجمعيات والهيئات الصحية إلى المضاعفة من جهودها في التوعية وحثّ النساء على الإرضاع وإتباع السنة النبوية وإتمام السنتين كاملتين. تهرّب المرأة من الإرضاع رغبة منها في الحفاظ على جاذبية النهد ليست سوى محاولة ظرفية للحفاظ عن شباب سيُهدر مع مرور الوقت ومع تضاعف إمكانيات الإصابة بسرطان الثّدي. حيث تقرّ دراسة بريطانية حديثة إن امرأة من كل ثمانية نساء مهدّدة اليوم بالإصابة بسرطان الثدي.
وسائل الإغراء النسوية عديدة، منها رمش العين وإظهار اللسان وملامسة الخدين ومحادثة النهدين. محادثة لا تحتاج للغة غير لغة اللذة، لغة الإحساس حيث لا يمتلك الرجل سوى سلطة الاكتواء بناريهما وتحتفظ المرأة بحقها كاملا في الاختباء خلفهما ومغازلة ما طاب لها من الذّكور مثنى وثلاث ورباع.
********************
بقلم: سعيد خطيبي 

اقرأ المزيد...

الخميس، 21 يونيو 2012

عن الخميسات واشياء اخرى


الى اسيا,,,,, الحاملة لهموم قارة بكاملها

الانسان شيء لابد من تجاوزه
نيتشه

عن الخميسات واشياء اخرى
في الرثاء

في ارتباطنا وهوسنا بمدننا ما يفسر لعنة الجينات التي نحملها وتحملنا ....,جينات الاننتماء لمدن مسكونة بالف مرض و وباء ,,, وعلى الهامش لعبة بلاستيكية لطفلة مشردة تبيع زمانها وووجهها الضبابي ,,, وكومة اوراق....وضجيج سيارات متطايرة ,,,,وعند الصحو تقدم لك المدينة داتها مشهد الطفلة عينها تسافر عبر االعويل مرافقة ثلة دئاب وحلم,,,,حلم بحجم درة لاغير’’’’’

في عبثية المدينة
لمسة غادرة من شيء اشبه بالانثى هاهنا وطلقة انثوية تدك الداكرات هنالك ,,,,اصباغ عتيقة لوجوه فرت لتوها من متاحف الزمن ما قبل الاول ,,,,مؤمنون حد التخمة وكفار عانقوا السماء ليبرهنوا على انشغال كائناتها بشراء اصباغ صينية رخيصة,,,واشباه اولئك وهؤلاء يبنون متاريس علها ترد هجوم الكهولة وليل مل دور التابع لشمس ما عادت تضيء لغير نفسها,,,وبين نهدي حومة الشومو ر كومة اوراق وكهولة يتيمة مثل يتمي الكبير,,,يتراء لي اليتم هاربا من يتمي باحثا عن تفاحة ادم,,,,,فيصطدم بمدينة محترقة,,,,,
في استقالة الشمس
اشعة كانت تغمر المدينة,,,,فاحرقتها ,,,,ومن هناك من البعيد العمودي تبول احدهم على شمسنا فاحترقت تاركة شمعة تحتضر ودمعة كالتمثال ,,,كالثلج القديم,,,, ثلجنا القديم المسكون بالعناد وادمان الحانة اليتيمة في الستيام,,,,,ليت الشمس ما احرقت واحترقت ,,,ليتها اختبات بجيبي الفارغ الا من رشاش الفونتولين ,,,,صمتا ادن ايتها الفراشات الليلية و ابحثي لنفسك عن جيفة امراة تحت ابطي وسنبلة تنمو بصدري ,,,,,,,
في ارتعاشات اسيا
كانت تزرع كتبا عتيقة ورماد سجائر رخيصة,,,فتصادف الموسم الفلاحي مع جفاف ومطر يرتعش من البرد,,,,نزعت اسيا معطفها الاسود وقدمته للمطر ,,,طلب قهوة كعينيها ,,,,احتجت حبيبة المطر وقدمت بدل القهوة كتاب شعر,,,,ركب موجة حلمها ورحل ,,,,,,وبعيدا عن تفاصيل المدينة,,,,,حيث عابثين يزرعان الكتب,,,حان الحصاد ,,,,وكان نيتشه اعرجا وسارتر بنصف راس كان,,,وغير بعيد ماركس وقد تخلص من شعره الشبيه بازقة داكرة تقتنص الفرص لتنتحر,,,,,,,لقدانجبت الكتب اشباه كتب فالخميسات مدينة مسكونةبلعبة النسخ الردئء.....
في رصيف النهاية
قهوة سوداء وقطعتي سكر الاولى لك والثانية للمرارة .,,,جريدة اصوات ديمقراطية تعهر بالقرب مني ,,,تتخلص من ثوبها الوحيد ضامة نهدها ,,,,اغضب كمشرقي سكنه هارون الرشيد ,,,هل نفخت فيك من روحي لتعهري على ارصفة المقاهي ؟؟؟؟؟دع العهر لغيرك وهات يدك نعيد رسم المراة ,,,فنعوض الراس بزهرة ياسمين وباقي الجسد بحبات ليمون وكرز ,,,بكتب مللناها وداكرة مغتصبة تحمل في جسدها وشما يزعج مرتادي المقهى مناديا ...الانثى هي الاصل ,,,فتجدني اسجد للسيجارة والبندقية وغربتي العارية ,,,,,الامن وشم

"""""""""""""""""""""""""""""""""""""
الصورة :::: لوحة لسالفادور دالي !!!
يونس طير
ايت يدين 21 06 2012
اقرأ المزيد...